يعرف علماء المقابلة بين الأديان ثلاثة أطوار عامة مرت بها الأمم البدائية في اعتقادها بالآلهة والأرباب: وهي دور التعدد
.
ودور التمييز والترجيح
Henotheism .
ودور الوحدانية
Monotheism .
ففي دور التعدد كانت القبائل الأولى تتخذ لها أربابا تعد بالعشرات وقد تتجاوز العشرات إلى المئات، ويوشك في هذا الدور أن يكون لكل أسرة كبيرة رب تعبده أو تعويذة تنوب عن الرب في الحضور وتقبل الصلوات والقرابين.
وفي الدور الثاني وهو دور التمييز والترجيح تبقى الأرباب على كثرتها ويأخذ رب منها في البروز والرجحان على سائرها، إما لأنه رب القبيلة الكبرى التي تدين لها القبائل الأخرى بالزعامة وتعتمد عليها في شئون الدفاع والمعاش، وإما لأنه يحقق لعباده جميعا مطلبا أعظم وألزم من سائر المطالب التي تحققها الأرباب المختلفة، كأن يكون رب المطر، والإقليم في حاجة إليه، أو رب الزوابع والرياح وهي موضع رجاء أو خشية، يعلو على موضع الرجاء والخشية عند الأرباب القائمة على تسيير غيرها من العناصر الطبيعية.
وفي الدور الثالث تتوحد الأمة فتجتمع إلى عبادة واحدة تؤلف بينها مع تعدد الأرباب في كل إقليم من الأقاليم المتفرقة، ويحدث في هذا الدور أن تفرض الأمة عبادتها على غيرها كما تفرض عليها سيادة تاجها وصاحب عرشها، ويحدث أيضا أن ترضى من إله الأمة المغلوبة بالخضوع لإلهها، مع بقائه وبقاء عبادته كبقاء التابع للمتبوع والحاشية للملك المطاع.
ولا تصل الأمة إلى هذه الوحدانية الناقصة إلا بعد أطوار من الحضارة تشيع فيها المعرفة ويتعذر فيها على العقل قبول الخرافات التي كانت سائغة في عقول الهمج وقبائل الجاهلية، فتصف الله بما هو أقرب إلى صفات الكمال والقداسة من صفات الآلهة المتعددة في أطوارها السابقة، وتقترن العبادة بالتفكير في أسرار الكون وعلاقتها بإرادة الله وحكمته العالية، وكثيرا ما يتفرد الإله الأكبر في هذه الأمم بالربوبية الحقة وتنزل الأرباب الأخرى إلى مرتبة الملائكة أو الأرباب المطرودين من الحظيرة السماوية.
صفحة غير معروفة