131

أما جورج بركلي فلا وجود في رأيه لغير العقل أو الروح، ولا وجود للمادة في الخارج إلا من عمل العقل الباطن؛ لأن الصفات التي تنسب إلى الأشياء ليست في الأشياء بل في العقل الذي يدركها، فالامتداد والشكل والحركة وهي الصفات الأولية المنسوبة إلى المادة هي عوارض فكرية لا توجد في خارج العقول: واللون والطعم والصوت هي كذلك إحساس عقلي وليس صفات عالقة بالأشياء، وإذا قيل له إن الصوت حركة نراها في الهواء قال: ولكن الحركة ترى ولا تسمع، فالصوت إذن من عمل السامع على كل حال.

وسخر بعضهم من هذا الإنكار فنظم أبياتا فكاهية يقول فيها ما فحواه: «إنك أيتها الشجرة لا توجدين إذا أغمضت عيني ولم أنظر إليك»، فأجابه بركلي قائلا: «كلا، بل توجد إذا أغمضت عينك؛ لأن الله لا يغمض عينه.»

وهذا هو البرهان الأكبر على وجود الله في مذهب بركلي، وهو توقف الموجودات كلها على عقل شامل الإدراك يحتويها، ومن هذا العقل يصل إلى عقولنا علمنا بالموجودات؛ لأن العقل لا يفهم إلا عن عقل يلقي إليه بالمعرفة إذ لا معرفة في غير العقول.

قال في أصول المعرفة الإنسانية: «إن التحقق من إدراك وجود الله لأكثر جدا من تحقق وجود الإنسان؛ لأن مؤثرات الطبيعة تزيد زيادة لا نهاية لها على جميع المؤثرات المعزوة إلى الناس.»

وقد نظر بركلي في هذا إلى رأي لوك

Locke

سلفه في الفلسفة الإنجليزية حيث يقول: «إن لنا من المعرفة اليقينية بوجود الله ما يزيد على كل معرفة لم تكشفها لنا الحواس، لا بل يسعني أن أقول: إن يقيننا بوجود إله أقوى من اليقين بوجود أي شيء خارج عنا.»

ولكن بركلي كما رأينا قد جاوز رأي لوك في إثبات الوجود للعقل وحده، وكان أثره في إنشاء الفلسفة المثالية

Idealism

أعظم من آثار جميع سابقيه. •••

صفحة غير معروفة