هي أصل الاعتقاد بالأرباب.
فالطفل يضرب الكرسي إذا أوقعه كما يضرب الإنسان والحيوان، وتايلور يعتقد أن الإنسان الأول كان كالطفل في تخيله للأشياء وتمثله لها في صور الأحياء، فالنجوم أرباب حية تشعر وتسمع وتطلب ما يطلبه الحي من غذاء ومتاع، وكذلك الرياح والسحب والينابيع والعوارض الطبيعية على اختلافها، فلا جرم يشعر الهمجي الأول بما حوله من هذه القوى الحية شعور الرهبة والرغبة، ويحتاج إلى استرضائها بالصلاة والدعاء كما يسترضي الأقوياء من بني قومه بالملق والرجاء.
ويسبق هربرت سبنسر هذا التفسير بتفسير يوافقه في ظواهر الاستحياء ولا يوافقه في تعليل الاستحياء.
فالإنسان الأول - على ما يرى سبنسر - كان يؤمن بحياة الأرباب؛ لأن عبادة الأسلاف هي أقدم العبادات، وكان يرى الأطياف في المنام فيحسب أنها باقية ترجى وتخشى، وأنها تتقاضاه فروضا لها عليه كفروض الآباء على الأبناء وهم بقيد الحياة.
ولكن يرد على القول بعبادة الأسلاف أنها لم تستغرق عبادات الأقدمين في زمن من الأزمان، وأن النائم يرى أطياف الغرباء كما يرى أطياف الآباء، ويرى أطياف الأطفال الضعفاء، بل يرى أطياف السباع التي يخافها في يقظته فلا يعبدها؛ لأنه يخافها وتتردد عليه أطيافها، بل يقتلها ويحول بينها وبين الطعام.
ومهما يبلغ من قصور العقل في الهمج فهم لا يجهلون أن «الروح» الذي يحوم حولهم في طلب الطعام والشراب يحتاج إليهم ولا يستغني عنهم، فإن شاءوا منعوا عنه القوت فأردوه، وإن شاءوا والوه بالقوت فأبقوه، ولو لم يكن محتاجا إليهم لما حام حولهم ولا انتظر منهم أن يسترضوه بإشباعه وإروائه، ولماذا لا يسعى لنفسه كما كان يسعى لها وهو مقيم بين ذويه؟
ومن الواجب أن تسأل إذا كان الهمجي كالطفل ينظر إلى جميع الأشياء كنظرته إلى الحي الذي يقصد ما يفعل: ترى لماذا لم يعبد الهمجي جميع الأشياء؟
لا بد أنه قد عرف قبل العبادة وصفا للربوبية يميز به طائفة من الكائنات عما عداها، ويرى ذلك الوصف موفورا في هذا الشيء وغير موفور في سواه.
وقد نقل السائحون عن أقزام أفريقيا الوسطى - وهم في حضيض الهمجية - أنهم يؤمنون برب عظيم فوق الأرباب، وعرفت من الهمج قبائل مسفة في الجهالة لم تعبد الأسلاف، وجعلت ظواهر الطبيعة مسخرة لروح عظيم.
ويرجح آخرون أن السحر هو أصل العبادة وأصل الشعائر الدينية.
صفحة غير معروفة