والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم (الأعراف: 8-9). وبعد ذلك يتجه كل فريق إلى مقامه في الجنة أو الجحيم:
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ... * ... وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا (الزمر: 71-73). والقرآن الكريم ولا سيما في السور المكية مليء بوصف أحوال الجنة وأهلها وأحوال النار وأهلها، مما لا مجال هنا للدخول فيه.
وعلى عكس التصورات الأخروية في بقية العقائد التوحيدية، فإننا لا نرى في القرآن صراعا حاسما أخيرا بين ملائكة الله وبين إبليس وجنوده؛ لأن المهلة التي أعطيت لإبليس في بدء الزمن قد انتهت مع زوال العالم القديم، ولم يعد له من عمل يعمله بعد أن تم فرز البشر إلى أهل النعيم وأهل الجحيم. وسوف يقاد الشيطان دون مقاومة مع أتباعه إلى النار وفق ما وعد به:
قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (ص: 84-85).
المحور الخامس
التناص بين الكتب المقدسة
(1) التوراة وما قبلها/التوراة والإنجيل (س):
من خلال عرضك السابق لتشكل الأسطورة الكبرى في الديانات التوحيدية، لاحظنا وجود تشابهات كثيرة بين هذه الديانات، فهل تتعدى هذه التشابهات الأسطورة الكبرى إلى نواح أخرى؟ (ج):
لا يوجد تشابهات بين الأديان التوحيدية (وأنا هنا ألحق بها اليهودية لغاية تبسيط الأمور)، وإنما هنالك تناص في كتبها المقدسة. والتناص هنا هو مصطلح أستعيره من النقد الأدبي، وأعني به وجود نص من هذا الكتاب في كتاب آخر، إما بمضمونه، أو بصيغته الأصلية مع تعديلات يستدعيها الأسلوب الأدبي للكتاب الآخر، أو بمنظوره الأيديولوجي. وهذا التناص بين الكتب المقدسة بالغا ما بلغ شأنه فإنه لا يؤدي إلى التشابه؛ فالمسيحية لن تشبه اليهودية أبدا مهما استعار مؤلفو الأناجيل مقاطع من التوراة وأدخلوها في سرديتهم الخاصة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالإسلام. لكل دين خصوصيته ورسالته الخاصة التي لا تشبه رسالة أخرى. وهذه نقطة أود التركيز عليها قبل الدخول في هذا الموضوع الشائك، والذي يمكن أن يفهم منه عكس ما أريد تماما. (س):
أفهم من ذلك بأن التشابهات، أو التناص كما تسميه، يتعدى الأسطورة الكبرى؟ (ج):
صفحة غير معروفة