447

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الناشر

دار القلم

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠]، والذرية لابد لها من شهوة.
ـ قوله تعالى: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٥٦]
ـ حديث: "فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" (١).
فالملائكة من صفتهم أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويسبحون الليل ولا يفترون، وما فعله إبليس يعد معصية ولا يتناسب مع صفات الملائكة.
والقول الثالث: أن إبليس كان أصله من الملائكة فمسخه الله من الجن لما عصاه.
قال به من العلماء: ابن عباس في رواية (٢)، ودليل هذا القول: أنه تفسير صحابي.
والقول الرابع: وهو قول أشار إليه الشيخ ابن تيمية- ﵀ في هذه المسألة، فقال: " الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته وليس منهم باعتبار أصله ولا باعتبار مثاله" (٣)، ولكن هذا القول ليس عليه دليل.
والراجح: أن إبليس لم يكن من الملائكة، وهو الصحيح، لقوة أدلته. وهو الذي عليه المحققون من أهل العلم.
الفوائد:
١ من فوائد الآية: بيان فضل آدم على الملائكة؛ وجهه أن الله أمر الملائكة أن يسجدوا له تعظيمًا له.
٢ ومنها: أن السجود لغير الله إذا كان بأمر الله فهو عبادة؛ لأن لله تعالى أن يحكم بما شاء؛ ولذلك لما امتنع إبليس عن هذا كان من الكافرين؛ وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على كفر تارك الصلاة؛ قال: لأنه إذا كان إبليس كفر بترك سجدة واحدة أُمر بها، فكيف عن ترك الصلاة كاملة؟ ! وهذا الاستدلال إن استقام فهو هو؛ وإن لم يستقم فقد دلت نصوص أخرى من الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة على كفر تارك الصلاة كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة.
ويدل على أن المحرَّم إذا أمر الله تعالى به كان عبادة قصة إبراهيم ﵇، حين أمره الله أن يذبح ابنه إسماعيل فامتثل أمر الله؛ ولكن الله رحمه، ورحم ابنه برفع ذلك عنهما، حيث قال تعالى: ﴿فلما أسلما وتلَّه للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ [الصافات: ١٠٣. ١٠٥]؛ ومن المعلوم أن قتل الابن من كبائر الذنوب، لكن لما أمر الله ﷿ به كان امتثاله عبادة.
٣ ومن فوائد الآية: أن إبليس. والعياذ بالله. جمع صفات الذم كلها: الإباء عن الأمر؛ والاستكبار عن الحق، وعلى الخلق؛ والكفر؛ إبليس استكبر عن الحق؛ لأنه لم يمتثل أمر الله؛ واستكبر على الخلق؛ لأنه قال: ﴿أنا خير منه﴾ [الأعراف: ١٢]؛ فاستكبر في نفسه، وحقر غيره؛ و"الكبر" بطر الحق، وغمط الناس.
تنبيه:
إن قال قائل: في الآية إشكال. وهو أن الله تعالى لما ذكر أمر الملائكة بالسجود، وذكر أنهم سجدوا إلا إبليس؛ كان ظاهرها أن إبليس منهم؛ والأمر ليس كذلك؟ .
والجواب: أن إبليس كان مشاركًا لهم في أعمالهم ظاهرًا، فكان توجيه الأمر شاملًا له بحسب الظاهر؛ وقد يقال: إن الاستثناء منقطع؛ والاستثناء المنقطع لا يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه.
القرآن
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)﴾ [البقرة: ٣٥]
التفسير:

(١) رواه مسلم برقم ٢٠٢٠.
(٢) الدر المنثور للسيوطي: ٩/ ٥٦٥.
(٣) مجموع الفتاوى: ٤/ ٣٤٦.

2 / 189