443

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الناشر

دار القلم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

والسلام فإن الله ﷿ منع من ذلك وجعل السجود لله وحده ﷾ ولا يجوز أن يسجد لأحد لا للأنبياء ولا غيرهم، حتى محمد ﵊ منع أن يسجد له أحد وأخبر أن السجود لله وحده ﷾، فعلم بهذا أن جميع أنواع العبادة كلها لله وحده ﷾، ومن أعظمها السجود فإنه ذلك وانكسار لله ﷾ فهو من أفضل العبادات فلا يصرف لغيره من الناس لا للأنبياء ولا للجن ولا للإنس ولا لغيرهم، والله المستعان.
وذكروا في قوله تعالى: ﴿لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا﴾ [البقرة: ٣٣]، قراءتين (١):
أحدهما: ﴿لِلْمَلَائِكَةِ﴾، بالكسر. وهي قراءة جمهور القراء.
والثاني: ﴿للملائكةُ﴾، بالضم، قرأ بها أبو جعفر المدني. قال أبو علي: "لم يكن مصيبا" (٢).
وقال الزجاج: "وأبو جعفر، من جِلَّةِ أهل المدينة وأهلِ الثَّبتِ في القَراءَةِ إلا أنه غلط في هذا الحرف لأن الملائكة في موضع
خفض فلا يجوز أن يرفع المخفوض ولكنه شبَّه تاءَ التأنيث بكسر ألف الوصل لأنك إذا ابْتدأتَ قلت اسْجُدوا، وليس ينبغي أن يقرأ القرآن بتوهم غيرِ الصواب" (٣).
قوله تعالى: ﴿فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ [البقرة: ٣٣]، "أي: فسجدوا جميعًا له غير إبليس" (٤).
قال ابن عثيمين: " ﴿فسجدوا﴾ أي من غير تأخير؛ فالفاء هنا للترتيب، والتعقيب" (٥).
قوله تعالى: ﴿أبى واستكبر﴾ [البقرة: ٣٣]، "أي: امتنع مما أمر به وتكبر عنه" (٦).
أخرج ابن أبي حاتم "عن قتادة: قوله ﴿أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾، حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري وهذا طيني. فكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم" (٧).
قال الشنقيطي: " لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] وقوله: ﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٣٣] " (٨).

(١) الحجة للقراء السبعة: ١/ ٦٥، ومعاني القرآن: ١/ ١١١ - ١١٢، والمحرر الوجيز: ١/ ١٢٤.
(٢) الحجة للقراء السبعة: ١/ ٦٥.
(٣) معاني القرآن: ١/ ١١١ - ١١٢.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٤٣.
(٥) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٢٥.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٤٣.
(٧) تفسير ابن أبي حاتم (٣٦٤): ص ١/ ٨٤.
(٨) أضواء البيان: ١/ ٣٣. ثم قال الشنقيطي: "مثل قياس إبليس نفسه على عنصره الذي هو النار وقياسه ءادم على عنصره الذي هو الطين واستنتاجه من ذلك أنه خير من ءادم. ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى: ﴿اسجدوا لأدم﴾ يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار. وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود: ﴿اسجدوا لآدم﴾ يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
والخلف للنص أو إجماع دعا ... فساد الاعتبار كل من وعى
فكل من رد نصوص الوحي بالأقيسة فسلفه في ذلك إبليس وقياس إبليس هذا لعنه الله باطل من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه فاسد الاعتبار؛ لمخالفة النص الصريح كما تقدم قريبا.
الثاني: أنا لا نسلم أن النار خير من الطين بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة فيعطيكها سنبلة والنواة فيعطيكها نخلة.
وإذا أردت أن تعرف قدر الطين فانظر إلى الرياض الناضرة وما فيها من الثمار اللذيذة والأزهار الجميلة والروائح الطيبة. تعلم أن الطين خير من النار.
الثالث: أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن النار خير من الطين فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من ءادم؛ لأن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع بل قد يكون الأصل رفيعا الفرع وضيعا كما قال الشاعر:
إذا افخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
وقال الآخر:
وما ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة".
[أضواء البيان: ١/ ٣٣ - ٣٤].

2 / 185