425

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الناشر

دار القلم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

أحدها: قراءة الجمهور بكسر الفاء: ﴿وَيَسْفِكُ﴾.
والثاني: وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة: ﴿ويسفُك﴾ بضم الفاء.
والثالث: وقرأ ابن هرمز ﴿ويسفكَ﴾، بالنصب بواو الصرف كأنه قال: من يجمع أن يفسد وأن يسفك، وقال المهدوي: هو نصب في جواب الاستفهام.
قال ابن عطية: "والأول أحسن" (١).
قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠]، ونحن" ننزهك عما لا يليق بك متلبسين بحمدك" (٢).
قال الطبري: أي" إنا نعظِّمك بالحمد لك والشكر" (٣).
قال ابن عطية: أي: " ننزهك عما لا يليق بك وبصفاتك" (٤).
قال ابن عثيمين: "والذي يُنَزَّه الله عنه شيئان؛ أولًا: النقص؛ والثاني: النقص في كماله؛ وزد ثالثًا إن شئت: مماثلة المخلوقين؛ كل هذا يُنَزَّه الله عنه؛ النقص: مطلقًا؛ يعني أن كل صفة نقص لا يمكن أن يوصف الله بها أبدًا. لا وصفًا دائمًا، ولا خبرًا؛ والنقص في كماله: فلا يمكن أن يكون في كماله نقص؛ قدرته: لا يمكن أن يعتريها عجز؛ قوته: لا يمكن أن يعتريها ضعف؛ علمه: لا يمكن أن يعتريه نسيان .. وهلم جرًا؛ ولهذا قال ﷿: ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب﴾ [ق: ٣٨] أي تعب، وإعياء؛ فهو ﷿ كامل الصفات لا يمكن أن يعتري كماله نقص؛ ومماثلة المخلوقين: هذه إن شئنا أفردناها بالذكر؛ لأن الله تعالى أفردها بالذكر، فقال: ﴿ليس كمثله شيء﴾ [الشورى: ١١]. وقال تعالى: ﴿وله المثل الأعلى﴾، وقال تعالى: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ [النحل: ٧٤]؛ وإن شئنا جعلناها داخلة في القسم الأول. النقص. لأن تمثيل الخالق بالمخلوق يعني النقص؛ بل المفاضلة بين الكامل والناقص تجعل الكامل ناقصًا، كما قال القائل (٥):
ألَمْ تَرَ أنَّ السَّيْفَ يَنقصُ قدْرُهُ ... إذا قيل إنَّ السيفَ أمضى من العصا
لو قلت: فلان عنده سيف أمضى من العصا تبين أن السيف هذا رديء، وليس بشيء؛ فربما نفرد هذا القسم الثالث، وربما ندخله في القسم الأول؛ على كل حال التسبيح ينبغي لنا. عندما نقول: "سبحان الله"، أو: "أسبح الله"، أو ما أشبه ذلك. أن نستحضر هذه المعاني" (٦).
وقولهم: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠]، ذكر فيه المفسرون وجوها (٧):
أحدها: أنه هو على جهة الاستفهام، كأنهم أرادوا وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الآية، أم نتغير عن هذه الحال.
قال ابن عطية: "وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحض في قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ﴾؟ " (٨).
والثاني: أن معناه التمدح ووصف حالهم، وذلك جائز لهم كما قال يوسف ﵇: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥].
قال ابن عطية: "وهذا يحسن مع التعجب والاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه في قولهم أَتَجْعَلُ وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ " (٩).
والثالث: وقيل أن: معنى الآية: ونحن لو جعلتنا في الأرض واستخلفتنا نسبح بحمدك.
قال ابن عطية: "وهذا أيضا حسن مع التعجب والاستعظام في قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ﴾ " (١٠).

(١) المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٤١.
(٣) تفسير الطبري: ١/ ٤٧٢.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.
(٥) البيت في يتيمة الدهر، للثعالبي: ٥/ ٢٩٩. قال الثعالبي: " أبو درهم البندنيجي
أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله تعالى له من نتفةٍ:
(متى ما أقل مولاي أفضل منهم ... أكن للذي فضلته متنقصا)
(ألم تر أن السيف يزري به الفتى ... إذا قال هذا السيف أمضى من العصا) "
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١١٣ - ١١٤.
(٧) أنظر: المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.
(٨) المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.
(٩) المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.
(١٠) المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.

2 / 166