الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الناشر
دار القلم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
واختاره ابن جرير قائلا: " وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه: ﴿ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن﴾، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات" (١)، قال شيخ الاسلام "وهو قول إجماع السلف" (٢).
ثم اختلف متأوّلو الاستواء بمعنى (العلوّ والارتفاع)، في الذي استوى إلى السّماء (٣):
أحدها: أن الذي استوى إلى السماء وعلا عليها، هو خالقُها ومنشئها.
والثاني: وقيل: بل العالي عليها: الدُّخَانُ الذي جعله الله للأرض سماء (٤). قال ابن عطية: وهذا يأباه رصف الكلام" (٥).
وقال الإمام الطبري: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه (٦):
أحدها: انتهاء شباب الرجل وقوّته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل.
والثاني: استقامة ما كان فيه أَوَدٌ من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له .. بعد أود، ومنه قول الطرماح بن حكيم (٧):
طالَ على رَسْمٍ مَهْدَدٍ أبَدُهْ ... وعَفا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ
يعني: استقام به.
والثالث: الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه.
والثالث: الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها.
والرابع: العلوّ والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوّه عليه.
قال الإمام الطبري: "وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إلى السماءِ فَسَوَّاهُنْ﴾: علا عليهنّ وارتفع، فدبرهن بقدرته وخلقهنّ سبع سموات" (٨).
القول الثاني: أن الإستواء بمعنى: قصد إليها وأقبل عليهما؛ وهذا ما اختاره ابن كثير (٩)، والفراء (١٠)، والسعدي (١١)، والبغوي في تفسير سورة فصلت (١٢)، فكما تقول: كان فلان مقبلا على فلان، ثم استوَى عليّ يشاتمني - واستوَى إليّ يشاتمني، بمعنى: أقبل عليّ وإليّ يشاتمني، واستُشْهِد على أنّ الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر (١٣):
أَقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنَا شَرَوْرَى ... سَوَامِدَ، وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضَّجُوعِ
(١) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩، وتفسير ابن كثير: ١/ ٢١٣.
(٢) مجموع الفتاوى: ٥/ ٥٢١.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٥) المحرر الوجيز: ١/ ١١٥.
(٦) تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٧) ديوانه: ١١٠، واللسان (سوى) قال: " وهذا البيت مختلف الوزن، فالمصراع الأول من المنسرح، والثاني من الخفيف ". والرسم: آثار الديار اللاصقة بالأرض. ومهدد اسم امرأة. والأبد: الدهر الطويل، والهاء في " أبده " راجع إلى الرسم. وعفا: درس وذهب أثره. والبلد: الأثر يقول: انمحى رسمها حتى استوى بلا أثر.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٩.
(٩) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٦.
(١٠) انظر: معاني القرآن: ١/ ٢٥.
(١١) انظر: تفسير السعدي: ٧٤٥.
(١٢) انظر: تفسيره: ٤/ ١٢٦. ولفظه: " أي: عمد إلى خلق السماء".
(١٣) البيت لتميم بن أبي بن مقبل (معجم ما استعجم: ٧٩٥، ٨٥٧)، وروايته " ثواني " مكان " سوامد ". وشرورى: جبل بين بني أسد وبني عامر، في طريق مكة إلى الكوفة. والضجوع - بفتح الضاد المعجمة -: موضع أيضًا بين بلاد هذيل وبني سليم. وقوله: " سوامد " جمع سامد. سمدت الإبل في سيرها: جدت وسارت سيرًا دائمًا، ولم تعرف الإعياء. وسوامد: دوائب لا يلحقهن كلال. والنون في " قطعن " للإبل
2 / 157