208

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الناشر

دار القلم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

الثاني: شكر اللسان، ويكون بإظهار النّعمة بالذكر لها والحديث عنها، والثناء على من أسداها، قال ﷾: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١]. الثالث: شكر العمل، وهو إخضاع النّفس بالطّاعة (١) قال الله ﷾: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [السبأ: ١٣]، وفي الحديث: "قام النبيُّ ﷺ حتى تورَّمَتْ قدَماه، فقيل له: غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر، قال: أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا" (٢). وقد جمع الشاعر أنواعه الثلاثة فقال (٣): أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّى ثلاثةً ... يَدِي ولِسَانِى والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا وأما (الحمد): فيكون باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر (٤). واختلف العلماء في الفرق بين الحمد والشكر، على أقوال: أحدها: أنّ لفظ الحمد يُطلقُ للثناء على المحمود بجميل ما فيه من صفات وأفعال ونعم، أمّا الشكر فهو ثناء العبد على المحمود بنعمه فقط. وعلى هذا القول فالحمد أعمّ من الشكر، فكلّ شكر هو حمد، وليس كلّ حمد يُعتَبر شكرًا، ولذلك ورد حمد الله سبحانه نفسه ولم يرد شكره، وهو كما الحال في حالة التفرقة بين الحمد والمدح، فالمدحُ أعم من الحمد ذلك أنّ المدح يكون للعاقل ولغير العاقل، ولا يلزم في المدح كون الممدوح مُختارًا، ومن هنا كان وصف اللؤلؤة بصفائها ونقائها مدحًا لا حمدًا، أما الحمد فإنّه لا يُطلَق إلا للفاعل المُختار على اعتبار كون الصفات المُتّصف فيها والمحمودة له صفات كمال، ويكون الحمد صادرًا عن عِلم وليس عن ظنّ، فيمكن القول بأن: المدح يكون أعمّ من الحمد، والحمد يكون أعمّ من الشكر (٥). والثاني: أن الحمد يكون أعمّ فيما يقع عليه، فالحمد يقع على الصّفات اللازمة والصّفات المُتعدّية، فيُقال: حمد فلانٌ فلانًا لفروسيته وشجاعته ولكرمه. فالحمد وصف المحمود بصفات الكمال اللازمة والمُتعدّية مع المحبة وتعظيم المحمود في القلب، ولا يخفى أنّ مدار الأعمال صلاحًا أو فسادًا ينبني على القلب. قال رسول الله ﵊: "إنّما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه" (٦) قال ﵊: "إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ، فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ، ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ، كالراعِي يرعَى حولَ الحِمَى يوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيهِ، ألا وإنَّ لكلِ ملِكٍ حِمً، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محَارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ" (٧).

(١) التَّفْسِيرُ البَسِيْط، للواحدي: ١/ ٤٧٠. (٢) رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة (٤٨٣٦). (٣) يقول: إن نعمتكم علي أفادتكم مني يدي ولساني وجناني فهي وأعمالها لكم. ورد البيت بدون عزو في "غريب الحديث" للخطابي ١/ ٣٤٦، " الكشاف" ١/ ٤٧، "الفائق" ١/ ٣١٤، "الدر المصون" ١/ ٣٦، وانظر: "مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص ٧. (٤) انظر: الكشاف: ١/ ٩. (٥) عماد بن زهير حافظ (١٤٢٤ هـ/٢٠٠٤ م)، حمد الله ذاته الكريمه في آيات كتابه الحكيمة (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة ١٦، جزء ١١. بتصرّف. (٦) رواه البخاري عن عمر بن الخطاب (١). (٧) رواه مسلم عن النعمان بن بشير (١٥٩٩).

1 / 215