على عكس بيكون، كان دي فير يملك أسبابا وجيهة لإخفاء حقيقة كونه المؤلف الحقيقي سرا، لما كان المسرح يعتبر مكانا سيئ السمعة في الدوائر التي كان يظهر فيها أثناء ترحاله. إلى جانب أن بعضا ممن كانوا في بلاط إليزابيث ربما لم يرق لهم الأسلوب الذي صوروا به هم أو أجدادهم؛ لذا استخدم دي فير اسما مستعارا، مثلما ذهب لوني. ولكن الإيرل لم يستطع مقاومة التلميح ببعض الإلماعات عن هويته السرية؛ لذا اختار اسما مشتقا من إحدى شاراته، التي كانت تصور أسدا يحرك رمحا (وهي الترجمة الحرفية لمقاطع اسم شكسبير بالإنجليزية).
ولما كان الإيرل من النبلاء، فقد كانت حياته موثقة أكثر من حياة شكسبير؛ ومن ثم وجد لوني الكثير لربطه بدي فير وأعماله المزعومة. فكان معلوما، على سبيل المثال، أن دي فير قد سافر إيطاليا في عام 1575، وتوقف في بادوا، وجنوة، وفينيسيا، وفلورنسا. ومن الممكن أن يكون هذا تفسيرا للمعرفة التفصيلية بهذه المناطق التي تجلت في مسرحيات شكسبير.
وكان لوني يعتقد أن الدليل الأقوى قد يكمن في أشهر مسرحيات شكسبير، أو بالأحرى مسرحيات دي فير. فمثل والد هاملت، توفي والد دي فير صغيرا؛ ومثل والدة هاملت، سارعت والدة دي فير بالزواج ثانية. وحدث ذات مرة أن قام دي فير بطعن أحد خدم بيرلي، وهي الطريقة التي قتل بها هاملت بولونيوس. وتعرض دي فير، مرة أخرى مثل هاملت، للأسر على يد القراصنة، الذين أبقوا عليه حيا بعد ذلك. ومع انتهاء لوني من تحليله، بدت تراجيديا شكسبير سيرة ذاتية لدي فير كتبها بنفسه.
وجد لوني انعكاسات لحياة دي فير في شخصيات شكسبيرية أخر أيضا. فمثل الملك لير، كان دي فير أرملا له ثلاث بنات، كانت كبيرتاهن متزوجتين. ومثل فولستاف، كان معروفا بذكائه الحاد. ومثل بروسبيرو في «العاصفة»، واجه دي فير أجواء عاصفة - وإن كان بشكل مجازي - في حياته.
أما فيما يتعلق بقصائد شكسبير، فقد خلص لوني إلى أن هنري ريوثيسلي، إيرل ساوثمبتون، يصلح لدور «الشاب الوسيم» في القصائد. وفيما بعد، تقدم الأكسفورديون بهذه خطوة للأمام، بتخمينهم أن ريوثيسلي كان ابن دي فير وأن «الشاب الوسيم» كان إشارة توري عن «الشاب فير». •••
بحلول منتصف القرن العشرين، سحق الأكسفورديون البيكونيين ليبسطوا سيطرتهم على الموقف الذي لا يعزي الأعمال إلى شكسبير. ولكن المدعين الجدد - من منظور المؤسسة الأكاديمية - لم يكونوا أقل غرابة من البيكونيين.
والواقع أن جهود الأكسفورديين لإيجاد أوجه تشابه بين حياة دي فير وأعمال شكسبير قد شابها نفس النزعات الاستحواذية وغياب القدرة على التمييز مثل نظرية فك الشفرات التي تبناها البيكونيون. فقد كان الأكسفورديون عازمين على تحويل الشخصيات الخيالية إلى شخصيات تاريخية بالقوة، ولكنهم فعلوا ذلك بشكل انتقائي للغاية. على سبيل المثال، وكما أشار الكثير من الباحثين التقليديين، تجاهل الأكسفورديون تماما الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن شكسبير، لا دي فير، هو من سمى ابنه هامنت.
ثمة مشكلة أخرى كبيرة تكتنف النظرية التي تقول إن إيرل أكسفورد هو كاتب مسرحيات شكسبير، وهي تتعلق بتواريخ مسرحيات شكسبير. فبحسب معظم الباحثين، استمرت شركة كينجز من في إنتاج مسرحيات جديدة لشكسبير حتى عام 1614. ولكن دي فير توفي في عام 1604. وفي تلك المرحلة، لم تظهر سوى ثلاث وعشرين من أصل ثمان وثلاثين مسرحية من مسرحيات شكسبير في طبعات منشورة أو أشير إليها في مصادر مطبوعة. ومن ثم، فإن هناك خمس عشرة مسرحية - من ضمنها الملك لير، وماكبث، وأنطونيو وكليوباترا، وحكاية شتاء، والعاصفة (وهي بالتأكيد بعض من أنجح أعمال الكاتب المسرحي) - لم تمثل على المسرح إلى بعد وفاة دي فير.
رد بعض الأكسفورديين على مشكلة التأريخ بالإشارة إلى أنه لا بد أن يكون دي فير قد بدأ تأليف المسرحيات قبل وفاته، ثم أنهاها شخص آخر. وذهب آخرون لأبعد من ذلك بادعاء أن التواريخ المنسوبة للمسرحيات كانت خاطئة وأن جميعها تقريبا قد كتب قبل عام 1604. فقد استفاد الأكسفورديون، مثل جميع المناهضين الآخرين لنظرية نسب الأعمال إلى شكسبير، من ندرة التوثيق العامة التي ابتلي بها كل كاتبي السير الذاتية التقليديين. لقد كانوا على صواب في تأكيدهم أن بعضا من تواريخ المسرحيات كانت قائمة على بعض التخمين والتقدير الاستقرائي، ولكنهم كانوا مخطئين في زعمهم بأنها لذلك كانت اعتباطية.
إن التواريخ التقليدية، على العكس من ذلك، قائمة على مجموعة متنوعة من الإشارات المرجعية المعاصرة لشكسبير وأعماله. على سبيل المثال، يذكر كتاب فرانسيس ميرس الصادر عام 1598 اثنتي عشرة مسرحية ويشيد بأعمال شكسبير باعتبارها «الأكثر امتيازا» على مستوى الكوميديا والتراجيديا. وهذا هو ميرس نفسه، الذي التف حوله الأكسفورديون، كما تتذكر، لإشادته بدي فير ككاتب. ولكنهم يحطون من قدر شهادته بمنتهى السلاسة حين تستخدم لدعم التأريخ التقليدي. علاوة على ذلك، يثير عمل ميرس سؤالا محرجا آخر بالنسبة إلى الأكسفورديين: إذا كان رجلهم هو من كتب مسرحيات شكسبير، فلماذا يناقش دي فير وشكسبير كل على حدة في نفس العمل؟
صفحة غير معروفة