قلل العديد من المؤرخين أيضا من قيمة إسهامات جان العسكرية، حتى في موقعة أورليان. فوصفها أناتول فرانس، على سبيل المثال، بأنها لا تتجاوز كونها مجرد جالبة حظ للجيش الفرنسي: صحيح أنها شجاعة وملهمة، ولكنها لم تلعب دورا حقيقيا في التخطيط للمعركة أو تنفيذها. ولم تشر أي من الشهادات التي أدلي بها في محاكمتي جان إلى أنها قد تولت قيادة القوات في أورليان على الإطلاق. وقد ذهب بعض المؤرخين إلى أنه لا جدوى من المجادلة بشأن كيفية قيام جان بما قامت به؛ إذ إنها لم تفعل الكثير على أي حال.
بالطبع كان لزاما أن يدخل مثل هذا الموقف الازدرائي دائما في منافسة مع أسطورة منقذة فرنسا؛ تلك الشابة التي كان موتها على الخازوق يبدو في بعض الأحيان مباريا لموت المسيح على الصليب. وعلى مر القرون، أضحت جان دارك رمز فرنسا الذي تقبله الجميع بغض النظر عن معتقداتهم السياسية أو الدينية. فقد وقفت مع الجمهوريين الثوريين والملكيين الكاثوليك وغيرهم على حد سواء. ومؤخرا، جعلها القوميون المحافظون المتشددون الموالون لجان ماري لوبان واحدة من جماعتهم.
ولا غرابة في أن هذه الجماعات جميعا كانوا أسرع في تمجيد قدراتها من تقديم أي تفسير ذي مصداقية لها. غير أن معظم المؤرخين، وإن كانوا أقل تحيزا، لم يأتوا بما هو أفضل كثيرا. فمعظمهم يعتقد، على عكس أناتول فرانس، أن جان كانت عاملا مهما في الحرب، وأنها قد أثرت تأثيرا عظيما على الملك، على الأقل لفترة. ولكن جميعهم تقريبا رفضوا أي شكل من أشكال نظرية المؤامرة، سواء أكانت نتاجا لدم جان الملكي أم لمخططات وزراء شارل. وكان من شأن ذلك أن ترك المؤرخون دون أي تفسير متفق عليه بشكل عام لإنجازات جان، ابتداء بالعلامة التي قدمتها للملك.
جان دارك بعد الانتصار، من لوحة تعود لعام 1833. (مكتبة الكونجرس.)
وهكذا، وبعد أكثر من خمسمائة عام من التأريخ، يطرح المؤرخون نفس الأسئلة التي طرحها مستجوبو جان: هل كان هناك ملائكة في الأمر؟ أم شياطين؟
بالطبع، لا بد أن تكون الإجابات بالنسبة إلى أي مؤرخ هي «لا». ولكن من الملائم للغاية أن نعود إلى هذه الأسئلة، لما كانت الملائكة والشياطين بالنسبة إلى أهل القرن الخامس عشر - والذين يضمون بينهم جان وشارل والجنود الفرنسيين، وكذلك المحامون والكهنة الذين أدانوها - أمورا واقعية تماما. وكذلك الحال بالنسبة إلى «الأصوات» التي ظنت جان أنها تسمعها، والتي نسبتها للقديسة كاثرين والقديسة مارجريت. وكان اعتقاد الجنود الفرنسيين بأن لدى جان قديسين وملائكة يقفون بجانبها هو ما جعلهم يتبعونها للمعركة. وكان اعتقاد قضاة جان بأن هناك شياطين يقفون بجانبها هو ما دفعهم للحكم عليها بالموت.
وقد كان شارل ابن عصره أيضا، برغم أنه أحد رجال البلاط الملكي الذين يحظون بقدر عال من التعليم والثقافة الرفيعة، ومن الوارد للغاية أنه صدق أن الأصوات التي تسمعها جان أو الملائكة قد جاءت لإنقاذ مملكته. وكان هذا الاعتقاد، أكثر من أي شيء قالته أو فعلته في شينون، هو «العلامة» الحقيقية لقوتها.
لمزيد من البحث
Wilfred Jewkes and Jerome Landfield,
Joan of Arc (New York: Harcourt, Brace, & World, 1964). Includes the relevant sections of the original trial and the trial of rehabilitation .
صفحة غير معروفة