كان أحد كاتبي سيرة موتسارت الأوائل، وأحد كاتمي أسرار كونستانس، هو فرانس نيمتشك. وقد روى القصة على هذا النحو أيضا في عمل نشره عام 1798 بقوله: «بدأ موتسارت في الحديث عن الموت، وصرح بأنه يكتب «القداس الجنائزي» من أجل نفسه. وتساقطت دموع هذا الرجل المرهف الحس، ثم واصل قائلا: «لدي شعور قاطع بأنني لن أعيش لأطول من ذلك. أنا واثق من أنني قد تعرضت للتسمم».»
كان موتسارت مقتنعا بأنه يكتب مقطوعته الشهيرة «القداس الجنائزي » من أجل جنازته. (مكتبة الكونجرس.)
لم ينته موتسارت من تأليف مقطوعة «القداس الجنائزي»، وإن كانت تعتبر تحفة فنية حتى في شكلها غير المكتمل. ولا شك أن قصة كونستانس قد أضافت للهالة المحيطة بالعمل ومؤلفه؛ فها هو موتسارت يدفع إلى أعلى قمم الإبداع، ثم يساق في النهاية إلى الموت، بواسطة قوى لم يستطع هو ولا الآخرون فهمها بشكل كامل. فهل من نهاية أنسب من تلك لحياة موتسارت العبقرية القصيرة (إذ كان في الخامسة والثلاثين فقط)؟
إنها قصة مقبولة تماما، ولم يكن هناك أدنى شك في أن كونستانس اختلقتها؛ فقد قال كل من روخلتس ونيمتشك إنهما قد سمعاها منها، وكذلك فعل فينسنت وماري نوفيلو اللذان نشرا رواية مشابهة في عام 1828. ولكن ظلت هناك أسئلة بديهية؛ من كان ذلك الغريب الغامض الذي كلف موتسارت بتأليف «القداس الجنائزي»؟ ومن الذي سمم موتسارت، إن كان هناك من سممه؟ •••
ظهرت الشائعات الخاصة بأن موتسارت قد قتل بعد وفاته بفترة قصيرة، حتى قبل ظهور روايات روخلتس ونيمتشك في عام 1798. ففي عشية رأس السنة لعام 1791، أفادت جريدة برلينية أنه «نظرا لانتفاخ جثته بعد الوفاة، فإن الناس يظنون أنه قد تعرض للتسمم.» وكان من أوائل المشتبه بهم فرانس هوفديميل، زوج إحدى تلميذات موتسارت. فقد تعدى هوفديميل على زوجته وانتحرت في يوم جنازة موتسارت؛ ما دفع البعض لتخمين أن زوجته كانت حبلى بطفل من الموسيقار، ولكن لم يكن هناك دليل حقيقي يربط هوفديميل بموت موتسارت.
ظهر مشتبه به أكثر معقولية في عشرينيات القرن التاسع عشر في شخص موسيقار سابق بالبلاط الإمبراطوري النمساوي، هو أنطونيو ساليري. يظهر اسم ساليري في عدد من المواضع في «دفاتر المحادثة» الخاصة ببيتهوفن، والتي كان ضيوفه يستخدمونها من أجل التواصل مع الموسيقي الأصم. فقد كتب كارل نجل بيتهوفن، وزائر آخر يدعى أنطون شيندلر، في المفكرات أن ساليري اعترف بتسميم موتسارت؛ في حين دون آخرون أن شائعة قيامه بذلك قد انتشرت في كل أنحاء فيينا.
ماذا كان دافع ساليري؟
الحقد. فقد أدرك ساليري - أو هكذا خرج من طاحونة الشائعات - عبقرية موتسارت؛ ولذا أضمر له الكراهية. فلم يطق ساليري أن يشاهد موتسارت يتفوق عليه ليصبح الموسيقار الأبرز في البلاط الفييني، لا سيما أن موتسارت كان دائما فظا ومتغطرسا، في حين كان ساليري دائما لطيفا ومهذبا. وكانت تلك الفكرة مقنعة للغاية، على الأقل كفكرة أدبية. وكان أول من نقب عنها واكتشفها مسرحيا ألكسندر بوشكين في مسرحية عرضت عام 1830. أما أحدث التجسيدات، فكانت مسرحية «أماديوس» لبيتر شافر التي نجحت نجاحا كبيرا على مسرح برودواي عام 1980، وتحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي، والتي قدمت ساليري مجددا كموسيقار عادي ولكنه بالغ الخطورة لم يستطع تحمل منظر موتسارت ذي العبقرية المختلطة بالفظاظة. وقرر شافر ألا يصور ساليري كقاتل سمم موتسارت؛ بدلا من ذلك، يظهر الموسيقار الملكي كمجرد أداة للتعجيل بموت موتسارت من خلال عدة مكائد تترك ضحيته في ضعف ويأس.
والمشكلة في الحجة المقامة ضد ساليري، سواء كقاتل أو متآمر، هي نفس مشكلة الحجة المقامة ضد هوفديميل: لا يوجد دليل. فالاعتراف المزعوم المذكور في دفاتر المحادثة الخاصة ببيتهوفن لم يتكرر في أي مكان آخر؛ بل إن ساليري، بحسب يوميات عازف البيانو إجناتس موشيليس، أحد تلاميذ بيتهوفن، قد أنكر صراحة تسميم موتسارت. صحيح أن موشيليس مضى بعدها يقول إن ساليري «قد دمره معنويا من خلال المؤامرات والمكائد؛ ومن ثم سمم له ساعات عدة من حياته»، ولكن فيما عدا بضعة المراجع الأخرى المماثلة القائمة على القيل والقال، لا يوجد دليل حقيقي على أن ساليري كان يضمر بغضا لموتسارت، فضلا عن قتله. •••
لم يكن القاتل التالي الذي تم اقتراحه فردا، بل منظمة، هي منظمة الماسونيين أو البنائين الأحرار.
صفحة غير معروفة