الشاهد الثاني هو مؤلف إنجيل يوحنا، الذي أشار في روايته وبأكثر من طريقة إلى أن العشاء الأخير قد حدث عشية الأربعاء في اليوم السابق لعيد الفصح. فعندما ساق اليهود يسوع إلى دار الوالي بيلاطس صباح يوم الإعدام يقول المؤلف: «وجاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، ولكنهم لم يدخلوها مخافة أن يتنجسوا فلا يتمكنوا من أكل عشاء الفصح» (يوحنا، 18: 28). وعندما جلس بيلاطس على كرسي الولاية لإصدار الحكم بحق يسوع، يقول لنا المؤلف: «وجلس على كرسي القضاء في موضع يسمى البلاط ويقال له بالعبرية جباثة. وكان ذلك يوم تهيئة للفصح» (يوحنا، 19: 13-14). وسنقدم فيما يلي قصة العشاء الأخير برواية يوحنا لنلاحظ كيف أنه لم يشأ لنا أن نعتقد بأن هذا العشاء كان عشاء فصح: «وكان يسوع يعلم وقد اقترب عيد الفصح، أن ساعة انتقاله من هذا العالم إلى الآب قد حانت. وقد أحب أصحابه الذين هم في العالم إلى المنتهى؛ فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا بن سمعان الإسخريوطي أن يسلمه، قام عن العشاء فخلع رداءه وأخذ بمنشفة فائتزر بها ثم صب ماء في مطهرة وشرع يغسل أقدام تلاميذه ويمسحها بالمنشفة التي كان مؤتزرا بها. فجاء إلى سمعان بطرس فقال له سمعان: يا سيد، أأنت تغسل قدمي؟ فأجابه يسوع: أنت الآن لا تفهم ما أنا فاعل ولكنك ستفهم فيما بعد. فقال له بطرس: لن تغسل قدمي أبدا. أجابه يسوع: إذا لم أغسلك فلا حظ لك معي أبدا. فقال له سمعان بطرس: يا سيد، لا تغسل قدمي وحدهما بل أيضا يدي ورأسي. فقال له يسوع: من اغتسل لا يحتاج إلا إلى غسل قدميه لأنه كله طاهر، وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم. لأنه كان يعرف الذي سيسلمه. فلما غسل أقدامهم ولبس رداءه وعاد إلى المائدة قال لهم: أتفهمون ما صنعت إليكم؟ أنتم تدعونني معلما وسيدا، وحسنا تقولون لأنني كذلك. وإذا كنت أنا السيد والمعلم قد غسلت أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض، لأني أعطيتكم مثالا، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضا ... واضطربت نفس يسوع عند هذا الكلام وشهد وقال: الحق، الحق أقول لكم: إن واحدا منكم سيسلمني. فنظر التلاميذ إلى بعضهم حائرين فيمن قال عنه. وكان متكئا على حضن يسوع واحد من تلاميذه الذي كان يحبه، فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه، فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له: يا سيد، من هو؟ أجاب يسوع: هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا بن سمعان الإسخريوطي. فدخل فيه الشيطان بعد اللقمة. فقال له يسوع: افعل ما أنت فاعل ولا تبطئ. فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا قال له ذلك. فظن بعضهم أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه في العيد، أو أمره بأن يعطي شيئا للفقراء لأن يهوذا كان مؤتمنا على صندوق الدراهم. فتناول اللقمة وخرج من وقته، وكان الليل قد أظلم» (يوحنا، 13: 1-30).
نلاحظ هنا غياب الإعدادات التي قام بها يسوع من أجل التهيئة للعشاء في أحد بيوت أورشليم، والمؤلف يضعنا دون مقدمات في مشهد العشاء عندما يقول: «وحين كان العشاء ... إلخ» (يوحنا، 13: 2)، كما أنه لا يحدد عدد المشاركين باثني عشر كما فعل الإزائيون، لأنهم ربما كانوا عدا يسوع ثلاثة عشر بسبب وجود التلميذ الحبيب. أما مكان العشاء فمجهول ولكن المرجح أنه كان في بيت آخر للتلميذ الحبيب في أورشليم. كما نلاحظ غياب أي إشارة من يسوع أو من تلاميذه إلى أن العشاء كان عشاء فصح، كما هو الحال في روايات الإزائيين.
إذا انتقلنا إلى التقليد المرقسي لرواية العشاء الأخير ، وهو التقليد الذي اتبعه متى ولوقا، نجد أن العشاء الأخير قد أقيم في مساء يوم الخميس، وأن يسوع قد أعد ترتيباته مسبقا من أجل الاجتماع بتلاميذه في ذلك اليوم: «في أول يوم من أيام الفطير، اليوم الذي تقرب فيه ذبيحة الفصح، قال له تلاميذه: إلى أين تريد أن نمضي فنعد لك عشاء الفصح لتأكله؟ فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما: اذهبا إلى المدينة فيلقاكما رجل يحمل جرة ماء فاتبعاه، وقولا لرب البيت حيث يدخل: يقول المعلم أين غرفتي التي آكل فيها عشاء الفصح مع تلاميذي؟ فيريكما علية كبيرة مفروشة مهيأة فأعداه لنا هناك. فذهب التلميذان وأتيا المدينة فوجدا كما قال لهما وأعدا عشاء الفصح.» «ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر. وبينما هم على الطعام يأكلون قال يسوع: الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني، الآكل معي. فاستولى عليهم الحزن وأخذ يسأله الواحد بعد الآخر: أأنا هو؟ فقال لهم: إنه واحد من الاثني عشر، الذي يغمس معي في الصحفة. ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي يسلم ابن الإنسان، كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد. وفيما هم يأكلون أخذ خبزا وبارك ثم كسره وناولهم وقال: خذوا كلوا، هذا هو جسدي. ثم أخذ الكأس وشرب وناولهم فشربوا منها كلهم وقال لهم: هذا هو دمي الذي للعهد الجديد يسفك من أجل كثيرين. الحق أقول لكم إني لا أشرب بعد من نتاج الكرمة حتى يأتي يوم فيه أشربه خمرة جديدة في ملكوت الله. ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون.» «فقال لهم يسوع: ستشكون في كلكم في هذه الليلة لأنه مكتوب: «سأضرب الراي فتتبدد الخراف»،
1
ولكن بعد قيامي سأسبقكم إلى الجليل. فقال له بطرس: إن شك الجميع فأنا لا أشك. فقال له يسوع: الحق، الحق أقول لك، إنك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات. فقال بأكثر تشديد: لست بناكرك وإن قضي علي بأن أموت معك. وهكذا قال جميعهم» (مرقس، 14: 1-31).
على الرغم من توكيد مرقس هنا على أن العشاء الأخير كان عشاء فصح، إلا أن أثرا باقيا من القصة الأصلية يتمثل في رغيف الخبز الذي كسره يسوع، يدل على أن هذا العشاء لم يكن عشاء فصح. فقد وردت الكلمة الدالة على رغيف الخبز في النص اليوناني بصيغة
Aratos
التي تدل على رغيف خبز عادي مصنوع من عجين خمير، ولم ترد بصيغة
Matzos
الدالة على رغيف فطير مصنوع من عجين غير مخمر.
صفحة غير معروفة