يشترك عشاء مساء يوم الأحد في بيت عنيا (يوحنا) مع العشاء في بيت سمعان الأبرص مساء الأربعاء (مرقس + متى) بعنصر حقة الطيب التي سكبت على يسوع. (ب)
يشترك العشاء في بيت سمعان الأبرص (مرقس + متى) مع العشاء الأخير عند يوحنا في أن كليهما حدثا مساء يوم الأربعاء. (ج)
ويشترك العشاء في بيت سمعان الأبرص مساء الأربعاء (مرقس + متى)، مع العشاء الأخير مساء الأربعاء (يوحنا)، في أن يهوذا الإسخريوطي غادر العشاء في نهايته من أجل تنفيذ خطته الرامية إلى تسليم يسوع. نقرأ في إنجيل يوحنا: «ثم غمس يسوع اللقمة ورفعها وناولها يهوذا بن سمعان الإسخريوطي، فدخل فيه الشيطان بعد اللقمة. فقال يسوع: افعل ما أنت فاعل ولا تبطئ ... فتناول اللقمة وخرج من وقته» (يوحنا، 13: 26-30). ونقرأ عند متى في نهاية قصة العشاء عند سمعان الأبرص: «فذهب أحد الاثني عشر وهو يهوذا الإسخريوطي إلى الأحبار وقال لهم: ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه لكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة » (متى، 26: 14-16. قارن مع مرقس، 14: 10-11). (د)
يتحول عنصر قيام مريم بسكب الطيب على قدمي يسوع ومسحهما بشعرها في عشاء يوم الأحد، إلى عنصر قيام يسوع بسكب الماء على أقدام تلاميذه وتجفيفها بمنديل. (ه)
لوقا لم يكن في روايته مكان لعشاء تقوم فيه امرأة بسكب حقة الطيب على يسوع؛ لأنه روى لنا قصة مماثلة حدثت في مطلع حياة يسوع التبشيرية، عندما دعاه رجل فريسي اسمه سمعان، وبينما هو جالس إلى المائدة دخلت امرأة خاطئة ومعها حقة طيب ... إلخ (لوقا، 7: 36-50). ومع ذلك فإن في قصته المبكرة زمنيا ملمحا مشتركا مع عشاء يوم الأربعاء في بيت سمعان الأبرص، وهو أن كلا الشخصين اللذين دخل يسوع بيتهما للعشاء يدعيان بالاسم سمعان.
هذه الملاحظات تعطينا نموذجا عن مدى الاضطراب في الأخبار التي حفظها لنا الموروث عن يسوع، وعن كيفية استعارة الرواة عناصر أخبارهم من بعضهم ومن مصادر أخرى، وتوظيفها في مروياتهم كل على طريقة.
هل تناول يسوع عشاء الفصح؟
في وقفة عيد الفصح تذبح كل أسرة يهودية مقتدرة خروفا أو جديا يدعى بحمل الفصح، ثم يتناولونه مساء وفق طقس خاص يدعى عشاء الفصح، وذلك احتفالا بذكرى الخروج من مصر. وقد استن الإله يهوه لموسى وشعبه هذا الطقس عشية الخروج على ما نقرأ في سفر الخروج: «وكلم الرب موسى وهارون في أرض مصر قائلا: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور، هو لكم أول شهور السنة. كلما كل جماعة إسرائيل قائلين: في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء، شاة للبيت (الواحد). وإن كان البيت صغيرا عن أن يكون كفؤا لشاة يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس ... تكون لكم شاة صحيحة ذكرا ابن سنة تأخذونه من الخرفان أو الماعز، ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية ... ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويا بالنار مع (خبز) فطير ... فتحفظون هذا الأمر فريضة لك ولأولادك إلى الأبد. ويكون حين تدخلون الأرض التي يعطيكم الرب أنكم تحفظون هذه الخدمة. ويكون حين يقول لكم أولادكم ما هذه الخدمة لكم؟ أنكم تقولون: هي ذبيحة فصح للرب.» (الخروج، 12: 1-8، و24-27)
فهل تناول يسوع عشاء الفصح وفق التقليد الديني اليهودي؟ الأرجح هو أنه لم يتناوله، والوجبة الأخيرة التي تناولها يسوع مع تلاميذه لم تكن عشاء فصح بل عشاء أخيرا وفق التسمية الصحيحة لها. ونحن هنا نعتمد على شهادة شاهدين، الأول هو بولس الرسول والثاني هو مؤلف إنجيل يوحنا.
إن أقدم رواية عن وجبة العشاء الأخير جاءتنا من رسائل بولس الرسول التي كانت متداولة بين المسيحيين قبل تدوين الأناجيل. فهو يقول في الرسالة الأولى إلى أهالي كورنثوس: «فإني تلقيت من الرب ما بلغته لكم، وهو أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها، أخذ خبزا وشكر ثم كسره وقال: هذا هو جسدي إنه من أجلكم. اعملوا هذا لذكري. وكذلك أخذ الكأس بعد العشاء وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. اعملوا هذا كلما شربتم لذكري» (1 كورنثوس، 11: 23-25). فهنا يصف بولس ليلة العشاء الأخير بأنها الليلة التي أسلم فيها يسوع لا بأنها ليلة الفصح. كما أن يسوع يؤسس هنا لمفهوم «العهد الجديد» الذي يوثقه الله مع البشرية، بديلا عن «العهد القديم» الذي وثقه يهوه مع شعب إسرائيل. وقد تم توثيق هذا العهد الجديد بدم يسوع الذي يرمز إليه خمر العشاء الأخير: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي»، أو كما ورد عند مرقس في روايته للعشاء الأخير: «هذا هو دمي الذي للعهد الجديد يسفك». ولكي نفهم ما يقصده يسوع من توثيق العهد الجديد بدمه، علينا أن نرجع إلى كتاب التوراة ونرى كيف وثق يهوه بالدم عهده مع بني إسرائيل. فبعد أن تلقى موسى الشريعة من يهوه وقرأها على أسماع الشعب، أجابه الجميع بصوت واحد وقالوا: جميع ما تكلم به الرب نعمل. عند ذلك قام موسى بناء على توجيهات إلهه ببناء مذبح في أسفل جبل حوريب الذي نزلت عليه الشريعة، وقدم عليه قرابين من الثيران كان دمها كافيا لملء عدة طسوت كبيرة، ثم رش هذا الدم الغزير على الشعب وقال: هذا هو دم العهد الذي عاهدكم به الرب (سفر الخروج، 24: 3-8). أما يسوع فقد استبدل دم القرابين، وهو الوسيلة الوحيدة للتقرب إلى يهوه، بدمه الذي سيسفك من أجل توثيق عهد جديد هو عهد الروح مقابل العهد القديم الذي كان عهد الحرف. ومن سفك دمه للعهد الجديد وأعلن سدى الطقوس القديمة، لن يحتفل بالطقس المركزي منها وهو عشاء الفصح.
صفحة غير معروفة