الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
تصانيف
فمشبع نشب منها ومنكسر
هيفاء لفاء مصقول عوارضها
تكاد من ثقل الأرداف تنبتر
وفي العصر العباسي، بلغت الحضارة العربية الإسلامية أوج ازدهارها، وصحب ذلك نوع من الترف انعكس على أدب تلك الفترة. وترجع بدايات قصص ألف ليلة وليلة إلى ذلك العصر، نقلا عن مصادر فارسية وهندية، ثم تم صبها في قوالب عربية إسلامية. وقد عكست الكثير من تلك الحكايات الجو العباسي الصرف، من الترف والفراغ والموسيقى والأغاني، والخمريات، والمجون، والتواصل مع العالم الخارجي عن طريق ازدهار التجارة وكثرة الرحلات، وغير ذلك. بيد أنه تجدر الإشارة إلى أن كل ذلك قد واكب نهضة علمية شامخة؛ إذ أقام العرب صرحا هائلا من العلوم الدينية والدنيوية؛ في الهندسة والجبر والكيمياء والطبيعة والطب والنبات، والعلوم الفلسفية والجغرافية والتاريخية، التي نهل منها الغرب بعد ذلك وأقام على أساسها حضارته الحالية. ويجب ألا تؤخذ الشخصيات التاريخية المذكورة في ألف ليلة على النحو الذي اقتصرت به على تصويرها، فهي حكايات قصصية خيالية أولا وأخيرا. فهارون الرشيد الذي تصوره ألف ليلة وليلة لاهيا، هو الرشيد الذي كان يرعى العلوم والفلسفة والأدب في عصره ، ويشارك في مجالس العلم والأدب والفن، حينما كان شارلمان - أكبر ملوك أوروبا وقتها - يجاهد كيما يتمكن من كتابة اسمه وحسب.
وقد بينت الاقتباسات التي أوردناها في صدر هذا الفصل من قصص ألف ليلة وليلة نماذج متنوعة من النشاط الجنسي، كما ذكرنا في صدر هذا الفصل، فهي تحوي قصص الخيانة الزوجية والجنس المثلي والجنس مع الحيوانات والسحاق، والمزاوجة الجنسية. وهناك أيضا حادثة أخرى من حوادث الزواج بالمحارم، في قصة «الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان» حيث يتزوج الأمير شركان من أخته غير الشقيقة نزهة الزمان دون أن يعرف مسبقا، ثم يزوجها من أحد حجابه بعد أن أنجب منها ابنا. غير أن ورود كل تلك الأمور في الكتاب لا يعني أن هذه الممارسات كانت شائعة في تلك العصور، بل هو مجرد تصوير قصصي لنماذج قصصية تشد انتباه السامعين؛ كما أنها تبين مدى احتواء الكتاب على صور كاملة لكل أوجه العواطف والنشاط الإنساني بصفة عامة.
وفي نفس العصر العباسي، كتب الحسن بن هانئ - أبو نواس - أشعاره الفاحشة في التغزل بالذكور، كما كانت بعض أشعار الهجاء تشتد وتغالي في هجوها فتنحو إلى الإقذاع في التعبير بألفاظ فاحشة، كقصيدة المتنبي في هجاء «ضبة»، وهي التي تسببت في مقتل الشاعر العظيم في آخر الأمر.
ويذكر الباحث «صقر أبو فخر» في كتاب «الجنس عند العرب» عرضا سريعا لمظاهر الحياة الجنسية منذ عصر ما قبل الإسلام إلى العصر العباسي، يبين فيه أن الجنس كان دائما جزءا من الحياة العربية ونشاطا أساسيا فيها لا يدعو إلى الإخفاء أو الحياء منه.
وكان الأدباء العرب في تلك العصور أدباء موسوعيين؛ فنحن نجدهم يتناولون في كتبهم موضوعات عديدة، وكان منها ما يتعلق بالحب والجنس. وكانوا يكتبون بحرية تامة، ويناقشون مسائل الجنس في صراحة وبلا حرج. غير أنه قد جرى استغلال ذلك الأمر، وطرحت عدة كتب جنسية تحت أسماء كتاب كبار معروفين، وهم منها براء.
ومن الكتب العربية الإيروسية «الكلاسيكية» - إن صح هذا التعبير - ذاع صيت كتاب «الروض العاطر في نزهة الخاطر » من تأليف محمد النفزاوي؛ و«نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب» لشهاب الدين التيفاشي؛ والكتاب الأشهر «رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه» لأحمد بن سلمان.
وقد انتشرت مثل تلك المؤلفات في عهد انحطاط الثقافة العربية، بعد أن أغلقت أبواب التجديد والاجتهاد. ومع اليقظة الحضارية في أوائل القرن العشرين، بدأ الأدب ينهض من جديد، وعادت إلى اللغة العربية نصاعتها وقوة تعبيرها بعد قرون من التصنع البلاغي الذي انحط إلى درك الركاكة الغثة. بيد أن هذه اليقظة قد واكبها نوع من الرقابة على النقاط الحساسة، وهي الدين والسياسة والجنس. ولذلك كان من الطبيعي الابتعاد عن الموضوعات الجنسية في الكتابات الأدبية. وشمل ذلك الترجمة عن اللغات الأجنبية، فلم يكن مسموحا بنقل الكتب والروايات التي تشتط في ذكر ووصف العلاقات الجنسية بصورة مباشرة. وحتى في لبنان الذي تمتع بقدر من الحرية الثقافية النسبية، جرى في الستينيات مصادرة مجموعة قصصية لليلى بعلبكي بعنوان «سفينة حنان إلى القمر»، وملاحقتها قضائيا، نتيجة اشتمالها على عبارتين هما: «تمدد على ظهره. وغاصت يده تحت الشرشف تنشل يدي وترميها على صدره. ثم تذهب في رحلة حول البطن.» وعبارة: «لحوس أذني، ثم شفتي وحام فوقي ثم ارتمى وهمس أنه ملتذ، وإنني طرية ناعمة مخيفة، وأنه افتقدني كثيرا.» وقد حققت الشرطة ثم النيابة اللبنانية مع المؤلفة، ثم تم تقديمها إلى المحاكمة بتهمة «كتابة كتاب يتضمن عبارات منافية للأخلاق والآداب العامة». وبعد المرافعات والبحث، أصدرت المحكمة حكمها ببراءة المؤلفة ورفع قرار المصادرة وإعادة الكتب المضبوطة إلى أصحابها.
صفحة غير معروفة