الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
تصانيف
في عام 1941م، احتفلت القصة البوليسية بعيدها المئوي بوصفها شكلا أدبيا مميزا. فهي قد ولدت على يد الأديب الأمريكي المشهور «إدجار ألان بو» (1809-1849م) حين نشر قصته القصيرة «جرائم شارع مورج» عام 1841م في مجلة «جراهام ماجازين» بفيلادلفيا. ثم ظهر لها تابع بعنوان «لغز ماري روجيه» في مجلة بنيويورك عام 1842م. ثم قام «بو» بنشر آخر قصصه البوليسية الخالصة عام 1845م بعنوان «الهدية». وبعد ذلك، صدرت القصص الثلاث في كتاب واحد باسم «حكايات»، وهو الذي يعتبره النقاد أول وأهم كتاب في القصة البوليسية الحديثة. وفي كل من تلك القصص، تظهر شخصية الشيفالييه «س. أوغسط ديبان»، وهو أول مخبر تحقيقات
DETECTIVE
قصصي؛ ذلك أن هذه المهنة كانت جديدة ولم يكن من الممكن الكتابة عنها قبل أن توجد في عالم الواقع.
ويذكر النقاد أن إدجار ألان بو قد تأثر في حكاياته البوليسية بأحد الشخصيات الفرنسية الغريبة، هو «فرانسوا يوجين فيدوك»، اللص التائب الذي افتتح أول مكتب للمخبرين السريين عام 1817م في باريس، ثم نشر مذكراته عام 1828م، التي احتوت على وقائع بوليسية حقيقية وليست من نسج الخيال. ولا بد أن بو قد قرأ ذلك الكتاب وتأثر به، لدرجة أن بعض حكايات بو يغلب عليها الجو الفرنسي والأسماء الفرنسية، وتحدث وقائعها في باريس في العصر الذي عاش فيه فيدوك. بيد أن المخبر «ديبان» كان من وحي خيال «بو» الخصيب، مرهصا بما جاء بعد ذلك من الشخصيات الفريدة في عالم المخبرين الذين نالوا شهرة كبيرة، كهولمز وميجريه وبوارو. ولا أحد يعرف لماذا توقف إدجار ألان بو عن كتابة القصص البوليسية بعد ذلك، ولكن المؤكد أن قصصه تلك كانت البداية لهذا النوع الذي لقي رواجا واسعا لدى القراء، وتبعها سيل من القصص والروايات من نفس هذا النوع الأدبي الشائق. وقد اشتهر الكثير من الأسماء من مؤلفي تلك القصص، ومنهم روائيون معروفون، على رأسهم الروائي الإنجليزي «ويلكي كولنز» في روايتيه المعروفتين «ذات الرداء الأبيض» و «الماسة الصفراء»، وإن كانت تلكما الروايتان أقرب إلى روايات الغموض والأسرار
MYSTERY NOVEL
منها إلى الروايات البوليسية. ورغم أن تشارلز ديكنز قد حاول تجنب الكتابة في هذا النوع البوليسي، فقد استسلم لإغرائه في آخر رواياته التي لم يمهله العمر لإتمامها وهي «لغز إدوين درود».
غير أن مشاهير مؤلفي الرواية البوليسية الحديثة الذائعي الصيت قد بدءوا بالكاتب الإنجليزي المعروف «آرثر كونان دويل». وكان دويل طبيبا من أصل اسكتلندي-أيرلندي، وأسهم في ميادين عديدة من الأنشطة المتنوعة. ونشر دويل أول قصصه التي ابتدع فيها شخصية شرلوك هولمز عام 1887م في رواية «دراسة في اللون القرمزي» ثم أعقبها برواية «علامة الأربعة». بيد أن شرلوك هولمز لم يشتهر إلا عام 1891م مع رواية «فضيحة في بوهيميا»، وهي أول حلقة من الروايات القصار التي يضمها كتاب «مغامرات شرلوك هولمز»، الذي يشتمل على 22 قصة. وقد ابتكر آرثر كونان دويل شخصية مصاحبة للمحقق البوليسي هي شخصية الدكتور واطسون، التي يستخدمها المؤلف للتعليق على الأحداث وتوضيحها، عن طريق محادثاته ونقاشه مع شرلوك هولمز صديقه الحميم، وهو كذلك يضفي بشخصية واطسون الفكهة لمسة من «التخفيف الكوميدي» على أحداث الرواية التي تمتلئ بالجرائم والأسرار.
أما المجموعة التالية التي كتبها دويل فقد جمعت تحت عنوان «مذكرات شرلوك هولمز»، وتشمل 11 قصة. وقد نالت هذه القصص رواجا كبيرا وشهرة عريضة، إلى درجة ضاق المؤلف ذاته بها، إذ إنها غطت على أنشطته الأخرى وكتبه الأخرى ذات القيمة التاريخية. ولذلك عمد دويل في رواية من رواياته إلى التخلص من شرلوك هولمز بأن جعله يلقى مصرعه! بيد أن قراءه ثاروا عليه وطالبوه بالعودة إلى الكتابة عنه وبعثه من جديد، حتى اضطر إلى ذلك برواية «عودة شرلوك هولمز». ويعتبر شرلوك هولمز اليوم من أشهر أبطال الروايات البوليسية في تحقيق الجرائم الغامضة، وقد شكل مع صديقه واطسون ثنائيا رائعا يذكرنا - وإن على نحو مخالف - بالثنائي دون كيشوت وسانشو بانزا.
وتتابع بعد ذلك عدد من المخبرين المشهورين، على رأسهم «هركيول بوارو» الذي ابتدعته قريحة «أجاثا كريستي» (1890-1976م)، ملكة الرواية البوليسية ذات الحبكة المتقنة. وقد كتبت كريستي عددا من أبدع روايات الجرائم الملغزة التي أمتعت وما تزال تمتع قراءها إلى اليوم، وأشهرها «عشرة هنود صغار» التي ترجمت إلى العربية بالعنوان ذي الدلالة «عدالة مجنون». وهناك أيضا رواياتها المشهورة «جريمة على النيل» و«قطار الشرق السريع» و«روجر أكرويد». وإذا أخذ القارئ روايتها الشهيرة «جريمة قطار الشرق السريع»، فإنه سيرى حبكتها الرئيسية، وهي تعاقب أشخاص مختلفين على قتل أحد الأشخاص، بحيث يظن كل واحد منهم أنه هو قاتله، موجودة بقضها وقضيضها في حكاية الأحدب والخياط، حين ظنت امرأة الخياط أنها قتلت الأحدب، فيتركانه عند الطبيب اليهودي الذي يعتقد أنه قد قتله، فيلقيه لدى أحد مموني الخليفة (وتلقبه القصة بالاسم الغريب: المباشر) الذي يظنه لصا فيضربه فإذا هو ميت بين يديه، فيتم إلقاء القبض عليه، ويأتي الآخرون ليعترفوا أنهم هم من قتلوا الأحدب، إلى أن تتضح حقيقة الأمر للجميع بعد التحقق مما حدث منذ بادئ الأمر. ولا خلاف على ألفة أجاثا كريستي بألف ليلة وليلة، وهي التي قضت شطرا من حياتها في بغداد، وزارت مصر وغيرها من الأقطار العربية والإسلامية، ولها قصص بوليسية تقع حوادثها في تلك البلاد، لعل أشهرها قاطبة «جريمة في وادي النيل» وهو الاسم الذي ترجم به العنوان الأصلي
DEATH ON THE NILE .
صفحة غير معروفة