بدءا من عام 1870 فصاعدا، أصبحت المعاداة الخبيثة والعنيفة أحيانا للسامية سمة راسخة في الجزائر الفرنسية. كان هناك أكثر من «رابطة معادية لليهود»، حتى إنه كان هناك حزب معاد لليهود واسع الشعبية. وقعت مذابح لليهود في وهران عام 1897، وفي قسنطينة عام 1934، والتي أسفرت عن كثير من الوفيات وحالات التشويه في حق اليهود الجزائريين. وعندما تولى المارشال بيتان الحكم في يوليو 1940، أبطل مرسوم كريميو: أسقطت عن اليهود الجزائريين جنسياتهم الفرنسية، وصاروا مجددا في نفس وضع العرب والبربر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
رغم تعرضهم للتشويه المستمر، وفي بعض الأحيان إلى هجمات الأقدام السوداء العنيفة، كان اليهود الجزائريون رغم كل ذلك فرنسيين بحكم القانون في الفترة من عام 1870 إلى عام 1940. وبمرور الوقت أصبحوا يعتبرون أنفسهم من الأقدام السوداء، واتخذ كثير منهم جانب الفرنسيين خلال حرب الاستقلال الجزائرية.
مع أن الدولة الفرنسية لم تهتم قط بتجنيس كل العرب والبربر، كان التمييز القانوني الواقع على الجزائريين تبعا لقانون السكان الأصليين يسير جنبا إلى جنب مع سياسة الدمج التدريجي. هذا الهدف المتناقض ظاهريا بشأن دمج أقلية صغيرة من الجزائريين في نظام المدارس لتنشئة نخبة تعمل لاحقا داخل الجمهورية الفرنسية ولصالحها أثار الجدل بشدة لدى غالبية الأقدام السوداء. هذه السياسة الخاصة بالدمج المحدود للجزائريين - تلك الأقلية التي كان بمقدورها توفير رسوم الطعام (والإيواء إذا كانت المدرسة داخلية) - كانت تعني أنه أصبح مسموحا لهم الالتحاق بالمدارس العامة، وإن كان بأعداد محدودة للغاية. في مدرسة كامو الثانوية على سبيل المثال، لم يكن يوجد سوى ثلاثة طلاب عرب فقط من واقع ثلاثين طالبا.
قام بعض أعضاء النخبة المتعلمة الجزائرية بحركة نضالية نحو مزيد من الدمج. ففي عام 1912، نظم ائتلاف من هذه النخبة نفسه في مجموعة تدعى «الشبان الجزائريون»، وسافروا بقيادة ابن التهامي ولد حميدة إلى باريس لعرض «بيان الشبان الجزائريين». لم تعترض المطالب المتضمنة في البيان على الوجود الفرنسي في الجزائر إجمالا، ولكنها احتوت على المطالبة بإلغاء قانون السكان المحليين. رفضت الحكومة الفرنسية البيان، ولكن قوة الحركة ازدادت لتصبح قوة سياسية منظمة في ثلاثينيات القرن العشرين. وعام 1936، دعم كامو نفسه إلغاء قانون السكان المحليين ومنح الجنسية لأقلية صغيرة من الجزائريين. كان يتمنى أن يشهد الوقت الذي تكون فيه معاملة فرنسا للجزائريين انعكاسا للخطاب الإنساني للجمهورية الفرنسية.
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، استدعت فرنسا الجزائريين للالتحاق بالجيش الفرنسي. تحمس عدد قليل للقتال لصالح من كانوا يرون قوات احتلال. ففي إحدى الحوادث المسجلة على الأقل، ثار قاطنو إحدى المناطق (الأوراس) ضد التجنيد. قمعت الانتفاضة بوحشية، وقصفت المنطقة بالمدافع، وقتل المئات من المتمردين. كما قتل عدد هائل من الفرق العسكرية الجزائرية الكبيرة التي حاربت في أوروبا تحت الرايات الفرنسية، حيث كانوا عادة ما يرسلون إلى مناطق القتال الأشد خطورة. ومع ذلك، لقي العديد من الأقدام السوداء أيضا حتفهم، وكان لوسيان والد كامو واحدا منهم.
آباء كامو الثلاثة
مات لوسيان أوجست كامو متأثرا بجراحه في مستهل الحرب العالمية الأولى، عندما كان ابنه ألبير لا يتعدى عمره عاما واحدا. ولم تكن كاثرين والدة كامو - الأمية والمصابة بالصمم - قادرة على تنشئة ولديها وحدها. ومن ثم، نشأ كامو في بيئة شديدة التواضع في بيت جدته الصارمة (كاثرين-ماريا سينتس)، التي كانت عادة ما تضربه، وكانت تعارض تماما إتمامه لدراساته (كانت هي في الغالب من ألهمته شخصية الأم غير المأسوف عليها في رواية «الغريب»). وكان عمه صانع البراميل - الذي كان بالكاد يستطيع التحدث - يعيش معهم أيضا (كان موضوع إحدى قصصه القصيرة، «الرجل الصامت»)، إضافة إلى أمه ولوسيان أخيه الأكبر (انظر شكل
1-1 ). عاش أفراد عائلة كامو-سينتس الخمسة في شقة صغيرة بمرحاض خارجي. وتشارك كامو وأخوه لوسيان سريرا في نفس غرفة أمهما.
شكل 1-1: في ورشة عم كامو في الجزائر العاصمة عام 1920: يظهر ألبير كامو (في عمر السابعة) في المنتصف مرتديا زيا أسود.
بفقده أباه، الذي كان العائل الوحيد لأسرته حتى ذلك الحين، تبنت الدولة الفرنسية ألبير الصبي، على نحو فعلي وليس بالمعنى المجازي للكلمة. وبتبنيهم له، أصبح كامو وأخوه قاصرين تحت رعاية الدولة مباشرة؛ وهو ما خول لكل منهما الحق في الرعاية الصحية المجانية طوال حياتهما، وإعانة مادية متواضعة. انصرفت أم كامو إلى تنظيف المنازل، وكأرملة مات عنها زوجها في الحرب تلقت أيضا معاشا سنويا قيمته 800 فرانك، وهو مبلغ متواضع بالمقارنة بمتوسط الراتب الشهري للأقدام السوداء، وإن كان جيدا بالمقارنة مع حال العمال الجزائريين الذين يجبرون على العمل في الحقول نظير فرانك واحد في اليوم.
صفحة غير معروفة