فصحت: «مصلحتي! إنما هو حقي.»
فقال الرجل متراجعا: «حقك! ليس من حقك أن تسير الأمور حسب أهوائك.»
فقلت في حنق: «بل أقول إنه حقي، وليس لأحد أن يسلبني إياه.» فاحمر وجهه ونظر إلي نظرة بشعة وقال: «أهذا ما تعلمته في سجنك؟»
فقلت مبتسما: «نعم، تعلمت من السجن أشياء كثيرة.»
فقال ساخرا: «تعلمت مثلا أن توجه ألفاظا جافية إلى من جاء يحسن إليك.»
فأخذ الغضب مني مأخذه وصحت به: «تحسن إلي! إنني لا أقبل منك إحسانا. إن من حقي أن أكون حرا، ولو كنت مجرما لما كان هذا السجن عقابا جديرا بإنسانيتي. اقطع يد السارق واتركه حرا، واقتل القاتل ودع روحه حرة. إن الحرية أثمن من اليد ومن الجسد كله.»
فنظر إلي صامتا والدهشة تعقل لسانه، ثم حاول أن يهدئ نفسه وقال: «دعنا من هذا القول الحانق، كن هادئا وافهم فيم أتيت إليك.»
فقلت له هادئا: «ها أنا ذا تراني هادئا. ولكني أنطق بالحق. قد علمني السجن ألا أمانع نفسي من قول كلمة أراها حقا. كنت أحيانا أتردد في قولها من خوف هذا السجن، فلما دخلته وتحملت ضيقه، وجدت أن كل ما فيه من عذاب وألم أقل قسوة من الشقاء الذي يسببه الامتناع عن قول الحق.»
فقال الرجل متكلفا العطف: «لسنا نخشى الحق، قل ما شئت من الحق الصحيح.»
فضحكت مقهقها، وكانت تلك فلتة لمت نفسي عليها، ولكني لم أقدر على الامتناع منها، ثم قلت: «هناك إذن حق صحيح وآخر غير صحيح؟ إنما أعرف الحق واحدا، فإذا لم يكنه كان باطلا.»
صفحة غير معروفة