89

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

محقق

علي معوض وعادل عبد الموجود

الناشر

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هجري

مكان النشر

بيروت

((الغَزَّاليُّ مُجَدِّدُ القَرْنِ الخَامِسِ الْهِجْرِيِّ))

يُعَدُّ الغَزَاليُّ عند كثير من عُلَماءِ الأُمَّةِ مجدِّدَ المائَةِ الخَامِسَة؛ وذلك لما له مِنَ الإسْهَاماتِ الواضحَةِ في شتَّى الفنونِ الإسلاميَّة، ومؤلّفاتِهِ العظيمَةِ؛ في التصوُّف، وعلْمِ الكلامِ، والفَلْسَفَة، والفقه، وأصوله، وجهودِهِ المتوالية في إحيَاءِ السُّنَّةِ، ومحاربة الْبِدْعَة، وحَرْبِهِ الشعواء على الزنَادِقَةِ، والباطنيَّة، والفلاسفة المُلْحِدِينَ، وسَائر طوائِفِ الضَّلاَلِ والانحرافِ.

وتستندُ هذه الحقيقةُ أيْضاً علَى مَدَى تأثيرِهِ الفَعَّال والمُبَاشِرِ على الفَرْد، والمجتمع، والعلوم المختلفة التي أسْهَمَتْ في بناء صَرْحِ الحضارة الإسْلامَيَّة العريقة.

والقائلُونَ بأنَّ الغَزَاليَّ مجدِّدُ المائة الخَامِسَة أخَذُوا ذلك مِنَ استدلالِهِمْ بالحديث النبويِّ الشريفِ الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم :

(إنَّ الله تَعَالَىْ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مائَةِ سَنَّةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينَها) (١).

رواه العراقيُّ، والحاكمُ في المستدركِ.

وفي لفظٍ آخرَ: ((في رَأْس كُلِّ مائَةٍ سَنةٍ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُجَدِّدُ لَهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ)) ذكره الإمامُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رضي الله عنه -، وقال عَقِيبَهُ: نَظَرْتُ في سنة مائَةٍ، فإذا هو رجُلٌ من آل رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَنَظَرْتُ في المائَةِ الثَّانِيَة فإذا هُوَ رَجُلٌ مِنْ آلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُحَمَّدُ بْنُ إِذْرِيسَ الشَّافِيُّ.

قال بعْضُ أثمَّة الْعِلْمِ: ولا يكونُ إلاَّ عالماً بالعُلُومِ الدينيّة الظاهرة والباطنية.

ولابن الشُّبْكِيِّ في هذه المَسْألة كلامٌ نفيسٌ في ((طَبَقَاتِ الشَّافعيَّة)) يجب أنْ نَذكُرَهُ، لتعمَّ الفائدةُ به.

قال ابنُ السبكِيِّ:

((لمَّا لم نجدْ بعد المائةِ الثَّانيةِ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ مَنْ هو بهذه المَثَابَةِ، ووجَدْنا جميعَ مَنْ قيل: إنه المبعوثُ في رأسٍ كُلِّ مائةٍ ممَّنْ تمذهَبَ بمَذْهَب الشافعيِّ، وأنْقَاد لقَوِلِهِ، علمنا أنه الإمامُ المبعوثُ الَّذي أستقَرَّ أمْرُ الناسِ علَى قوله، وبُعِثَ بعده في رأسٍ كُلِّ مائةٍ من يقرِّر مذهبه، وبهذا تعيَّنَ عندي تقديمُ أَبْنِ سُرَيج في الثالثةِ عَلَى الأَشْعَرِيِّ؛ فإن أبا الحَسَنِ الأشعريَّ رضيَ اللهُ عنه، وإن كان أيضاً شَافِعِيّ المَذْهَبِ، إلا أنه رجُلٌ متكلِّمٌ، كان قيامه للذَّبِّ عن أصولِ العقائِدِ، دون فروعها، وكان ابن سُرَيْجِ رِجلاً فقيهاً، وقيامه للذَّبِّ عن فروع هذا المَذْهَبِ الذي ذكَرْنا أن الحال أستقرَّ عليه، فكان ابن سُرَيْجٍ أَوْلَىُ بهذه المنزلةِ، لا سيَّما ووفاةُ الأَشعريِّ تأخّرَتْ عن رأسِ القَرْن إلى بعد العِشْرِينَ.

(١) أخرجه أبو داود (٥١٢/٢) كتاب الملاحم: باب ما يذكر في قرن المائة حديث (٤٢٩١) والحاكم (٥٢٢/٤) والخطيب (٢/ ٦١) من حديث أبي هريرة.

89