الوجيز النفيس في معرفة التدليس

عبد القادر المحمدي ت. غير معلوم

الوجيز النفيس في معرفة التدليس

تصانيف

الوجيز النفيس في معرفة التدليس بقلم أ. م د عبد القادر مصطفى المحمدي كلية أصول الدين -الجامعة الإسلامية

صفحة غير معروفة

المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه ومن والاه، وبعد: الحقيقة أننا لم نختر هذا المصطلح (التدليس) إلا لأننا رأينا بعض الباحثين وطلبة الحديث المتعلمين، في جامعاتنا ومعاهدنا -اليوم -يحتاجون إلى مختصر موجز يوضح لهم عبارات العلماء، ويجمع لهم الأقوال بشكل ميسر، ولما رأينا من بعضهم أنه اختلط عليه التدليس والمرسل الخفي وعنعنة المدلس وغيره، ملتبسًا على بعضهم إطلاق الحكم على الراوي كونه يدلس، وكونه من رواة الصحيحين، فلا يميزون بين أقسام التدليس وطبقاته، فوقع في خَلَدنا أن نكتب هذه الصفحات، ونجمع كلام أئمتنا، ونوضح عباراتهم ونبين ما أبهم على طلبتنا، غير زاعمين أننا جئنا بما لم يأت به الأوائل، وإنما جل عملنا هو جمع الأقوال وتحريرها وتبيان مختصر لتلك الأقوال، ولا اخفي أنني تنشّمت منها فوائد وفرائد، من مراجعة المصادر القديمة والحديثة، ومقابلة الأقوال، ومدارسة الترجيحات، فإن أصبنا فمن الله وحده ومنه التوفيق، وإن كانت الثانية فمن أنفسنا والشيطان. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ما أصبنا ويغفر لنا ما أخطأنا، وان يجعل بحثنا هذا الذي اسميناه: (الوجيز النفيس في معرفة التدليس)،وجيزا ميسرا، نفيسا، آمين. المبحث الأول: التدليس لغة واصطلاحًا المطلب الأول: حدّه .. التدليس: مشتق من الدَّلَسِ، وهو في أصل معناه الظلام (١)،ثم استعمل التدليس في اللغة بمعنى إخفاء العيب في المبيع ونحوه (٢)؛ وإنما استعملت هذه اللفظة في مصطلح المحدثين بالمعنى الآتي شرحه؛ لأن المدلس - مهما كان نوع تدليسه - كأنه قد أظلم شيئًا من أمر الحديث على الناظر بتغطية وجه الصواب فيه (٣). ... وأما في الاصطلاح، فلم أقف على تعريف يجمع كل الأقسام، وإنما ُيعّرف دومًا

(١) ينظر لسان العرب، ابن منظور ١/ ١٠٠٢مادة (دلس). (٢) ينظر لسان العرب ١/ ١٠٠٢،وظفر الأماني، اللكنوي ص ٣٧٣. (٣) ينظر النكت على ابن الصلاح، ابن حجر العسقلاني ص ٢٤٢.

1 / 2

بشر أنواعه تدليس الإسناد، ولعل الجامع بين تلك الأقسام هو إخفاء العيب، فلعل أقرب المعاني إلى ذلك ما قاله الطيبي في خلاصته وهو أن الحديث المدلس: (ما أخفي عيبه) (١). المطلب الثاني: أقسام التدليس قسم علماءُ المصطلح التدليسَ على عدة أقسام، واختلفوا في ذلك، فمنهم من عدها ستة ومنهم من عدها أقل من ذلك أو أكثر، واليك التفصيل: أولًا: عند أبي عبد الله الحاكم النيسابوري: عدها ستة أقسام أذكرها باختصار (٢): ١ - من دلس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه الا أنهم لم يخرجوا من عداد الذين تقبل أخبارهم فمنهم من التابعين أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة ........ ٢ - قوم يدلسون الحديث فيقولون قال فلان، فإذا وقع إليهم من ينقر سماعاتهم ويلح ويراجع ذكروا فيه سماعاتهم. ٣ - قوم دلسوا على أقوام مجهولين لا يدرى من هم ومن أين هم. ٤ - قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يُعرفوا. ٥ - قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه. ٦ - قوم رووا عن شيوخ لم يَرَوْهم قط، ولم يسمعوا منهم، وإنما قالوا: قال فلان، فحُمل ذلك منهم على السماع وليس عندهم عنهم سماع عال ولا نازل. ثانيًا: عند الحافظ ابن الصلاح (٣):وقسّمه على قسمين رئيسين، هما: ١ - تدليس الإسناد. ٢ - تدليس الشيوخ. ثالثًا: عند الحافظ العراقي: ذهب الحافظ العراقي في تعليقه على الحافظ ابن الصلاح إلى إنّ التدليس ثلاثة أقسام، فزاد عليه: تدليس التسوية، فقال:"القسم الثالث من أقسام التدليس الذي لم يذكره

(١) الخلاصة ص٧٤،وينظر ظفر الأماني، اللكنوي ص ٣٧٣. (٢) معرفة علوم الحديث ص ١٠٥ - ١٠٨. (٣) مقدمة علوم الحديث ص ٦٦.

1 / 3

ابن الصلاح وهو تدليس التسوية ". (١):،ونقل عنه الحافظ في النكت القول " ترك المصنف قسمًا ثالثًا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام .. " (٢). وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال:"فيه مشاحة .... والتسوية على تقدير تسليم تسميتها تدليسًا هي من قبيل القسم الأول " (٣). فالذي جرى عليه أهل علماء المصطلح بعدُ هو تقسيم الحافظ ابن الصلاح وأنّ الأنواع التي ذكرت في أقسام التدليس تدخل جميعها تحت هذين القسمين، كالخطيب البغدادي (٤) والإمام النووي (٥) وابن كثير (٦) والطيبي (٧) وابن حجر (٨) والسخاوي (٩) والسيوطي (١٠) وغيرهم. وهو ما سنعتمده في بحثنا هذا إن شاء الله تعالى. يقول الإمام البلقيني: الأقسام الستة الذي ذكرها الحاكم داخلة تحت القسمين السابقين: فالقسم الأول والثاني والثالث والخامس والسادس داخلة تحت القسم الأول -أي تدليس الإسناد-.والرابع: عين القسم الثاني – أي الشيوخ-" (١١). وقال البقاعي معلقًا على تقسيم الحافظ العراقي:"إن أراد أصل التدليس فليس إلا ما ذكر ابن الصلاح من كونها اثنين باعتبار إسقاط الراوي أو ذكره وتعمية وصفه، وإن أراد الأنواع فهي أكثر من ثلاثة بما يأتي من تدليس القطع وتدليس العطف" (١٢). وقال أيضًا:" التحقيق أنه ليس

(١) شرح ألفية الحديث، العراقي ص ٨٠. (٢) النكت على ابن الصلاح، ابن حجر ص٢٤٣ (٣) المصدر نفسه. (٤) الكفاية ص٣٦٠. (٥) تقريب النواوي بشرحه تدريب الراوي ١/ ٢٢٣. (٦) شرح الفية الحديث، العراقي ص ٨٠.،وينظر النكت على ابن الصلاح، ابن حجر ص٢٤٢. (٧) الخلاصة في أصول الحديث ص ٧٤. (٨) النكت على ابن الصلاح ص٢٤٢. (٩) فتح المغيث ١/ ١٦٩. (١٠) تدريب الراوي١/ ١٦٩ (١١) محاسن الاصطلاح ص ١٦٨. (١٢) توضيح الأفكار، الصنعاني ١/ ٣٧٥.

1 / 4

إلا قسمين: تدليس الإسناد وتدليس التسوية، ويتفرع عن الأول: تدليس العطف وتدليس الحذف. وأما تدليس التسوية فيدخل في القسمين ..... " (١). وقد قسم اللكنوي التدليس إلى تسعة أقسام ونبه على أن بعض الأقسام تدخل في القسم الأول تدليس الإسناد. (٢) المبحث الثاني: تدليس الإسناد المطلب الأول: تعريفه هو المراد بالتدليس عند الإطلاق، وهو أهم صوره وأشهرها وأكثرها وجودًا، وهو أن يروي غير الصحابي عمن سمع منه - أو عمن حصل له من اللقاء به ما يظن معه حصول السماع - ما لم يسمعه منه من حديثه، حاذفًا الواسطة، قاصدًا إيهام السماع بإحدى طرق الإيهام. وهو بتعبير آخر: أن يروي الشيخ حديثًا فيسمعه بعض تلامذته عنه، لا منه، أي يسمعه بواسطة وليس من الشيخ مباشرة، ثم بعد ذلك يرويه عن ذلك الشيخ موهمًا سماعه إياه منه بحذف الواسطة والتعبير بإحدى الطرق الموهمة للسماع، وهذا النوع من التدليس فيه إخفاء الانقطاع. وعرف ابن الصلاح تدليس الإسناد بقوله:"أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه" (٣). وكذا عرفه الخطيب البغداي في كفايته (٤) والنووي (٥) وابن كثير (٦)،وابن جماعة (٧) غيرهم. وعرفه الحافظ العراقي بقوله:"وهو أن يسقط اسم شيخه الذي سمع منه ويرتقي إلى شيخ شيخه أو من فوقه فيسند ذلك إليه بلفظ لا يقتضي اتصال بل بلفظ موهم له كقوله عن فلان أو أن فلانا أو قال فلان موهما بذلك أنه سمعه ممن رواه عنه وإنما يكون تدليسا إذا كان المدلس قد

(١) توضيح الأفكار، الصنعاني ١/ ٣٧٦. (٢) ظفر الأماني في مختصر الجرجاني ص٣٨٠. (٣) المقدمة ص٦٦. (٤) الكفاية ص٣٦١. (٥) تقريب النواوي بشرحه تدريب الراوي ١/ ١/٢٢٢. (٦) اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص٤٦. (٧) المنهل الروي ص ٧٢.

1 / 5

عاصر المروي عنه أو لقيه ولم يسمع منه أو سمع منه ولم يسمع منه ذلك الحديث الذي دلسه عنه " (١). وعلق الحافظ العراقي على تعريف ابن الصلاح بقوله:"إن الذي ذكره المصنف في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث" (٢). وزاد ابن جماعة في تعريفه:"ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر" (٣). وسار عامة أهل المصطلح على هذا التعريف فجعلوا ما يرويه الراوي عمن "سمع منه" أو "عاصره" ما لم يسمعه منه موهمًاَ أنه سمعه منه، بمرتبة واحدة وعدوه تدليسًا. وذهب ابن القطان، وابن عبد البر، والعلائي، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم إلى التفريق بينهما -كما سيأتي-واعترض الحافظ ابن حجر عليه (التعريف) بكونه (غير مانع)،إذ قال في معرض الاعتراض على تعريف ابن الصلاح للتدليس: «وقوله:"عمن عاصره" ليس من التدليس في شيء، وانما هو: المرسل الخفي .... وقد ذكر ابن القطان في أواخر "البيان" (٤) له تعريف التدليس بعبارة غير معترضة قال:"ونعني به أن يروي المحدث عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، والفرق بينه وبين الإرسال، هو أن الإرسال: روايته عمن لم يسمع منه ولما كان في حديثه ما سمع منه جاءت روايته عنه بما لم يسمعه منه كأنها إيهام لسماعه ذلك الشيء فلذلك سمي تدليسًا "،وهو صريح في التفرقة بين التدليس والإرسال، وأن التدليس مختص بالرواية عمن له عنه سماع بخلاف الإرسال -والله أعلم - وابن القطان في ذلك متابع لابي بكر البزار (٥)،وقد حكى شيخنا كلامهما ثم قال:"إن الذي ذكره المصنف في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث وإنه إنما حكى البزار وابن القطان لئلا يغتر به" (٦). قلت - والقائل ابن حجر-لا غرو هنا بل كلامهما هو الصواب، على ما يظهر لي في التفرقة بين التدليس والمرسل الخفي، وإن كانا مشتركين في الحكم هذا ما يقتضيه النظر وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه

(١) شرح الفية الحديث، العراقي ص٨٠. (٢) التقييد والإيضاح ص ٩٧ - (٣) المنهل الروي ص ٧٢. (٤) هو ابن القطان الفاسي في كتابه "بيان الوهم والإيهام"،وينظر شرح الألفية للعراقي ص٨٠،وفتح المغيث للسخاوي١/ ١٧٠. (٥) ينظر شرح الألفية للعراقي ص٨٠،وفتح المغيث للسخاوي١/ ١٧٠. (٦) شرح الألفية للعراقي ص ٨٠.

1 / 6

نظر؛ فكلام الخطيب في باب التدليس من "الكفاية" يؤيد ما قاله ابن القطان، قال الخطيب:"التدليس متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط وهو الموهن لأمره فوجب كون التدليس متضمنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلس (١) " أ. هـ كلام الحافظ. (٢) وتمام كلام الخطيب:" والتدليس يشتمل على ثلاثة أحوال تقتضي ذم المدلس وتوهينه فأحدها ما ذكرناه من إيهامه السماع ممن لم يسمع منه وذلك مقارب الإخبار بالسماع ممن لم يسمع منه" (٣). قال الحافظ: «قلت: والذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي ﷺ من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس. وقد قال الخطيب في باب المرسل من كتابه الكفاية: لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس وهو: رواية الراوي عن من لم يعاصره أو لم يلقه، ثم مثل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي ﷺ وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري. ثم قال: والحكم في الجميع عندنا واحد». انتهى. فقد (بين) الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره مرسل لا مدلس. والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن من ذكر التدليس أو الإرسال إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه، فهو تدليس أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي. أو عمن لم يدركه، فهو مطلق الإرسال ". أي: إن الحافظ فرق بين المعاصرة واللقاء في ذلك، وعد الأولى تدليسا والثانية إرسالا خفيًا، قال السخاوي:" فخرج باللقاء المرسل الخفي فهما وإن اشتركا في الانقطاع فالمرسل يختص بمن روى عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه كما حققه شيخنا تبعًا لغيره على ما سيأتي في بابه قال وهو الصواب لإطباق أهل العلم بالحديث " (٤). وقال السيوطي:"والفرق بينه وبين الإرسال أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه، قال العراقي: والقول الأول هو المشهور وقيده شيخ الإسلام (٥) بقسم اللقاء وجعل قسم المعاصرة إرسالًا خفيًا." (٦). وقال العلائي:"قال ابن عبد البر: اختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه، مثل مالك عن سعيد بن المسيب والثوري عن إبراهيم النخعي فقالت فرقة: هذا تدليس، لأنهما لو شاءا لسميا من حدثهما كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما، قالوا: وسكوت المحدث عمن حدثه مع علمه به دلسة، قال أبوعمر-يريد ابن عبد البر- فإن كان هذا تدليسًا فما أعلم أحدًا من العلماء سلم منه في قديم الدهر ولا حديثة اللهم إلا شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان فإنهما ليس يوجد لهما شيء من هذا لا سيما شعبة. وقالت طائفة ليس هذا بتدليس وإنما هذا إرسال، وكما جاز أن يرسل سعيد بن المسيب عن النبي ﷺ وأبي بكر وعمر ﵄ وهو لم يسمع منهم ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسًا، كذلك مالك في سعيد بن المسيب انتهى كلامه. والقول الأول ضعيف؛ لأن التدليس أصله التغطية والتلبيس وإنما يجيء ذلك فيما أطلقه الراوي عن شيخه بلفظ موهم للاتصال وهو لم يسمعه منه فأما إطلاقه الرواية عمن يعلم أنه لم يلقه أو لم يدركه أصلًا فلا تدليس في هذا يوهم الاتصال وذلك ظاهر وعليه جمهور العلماء والله أعلم " (٧). وقد اختلف أهل المصطلح في هذا (المرسل الخفي) اختلافًا واسعًا، وكلُّ له أدلته، ولا مجال للزيادة ههنا، وإنما أقول: إن الحافظ ابن حجر ﵀ لم يخترع هذا المصطلح من قبل نفسه بل سُبق إليه كما مر، وإنما الخلاف وقع في تنزيل المصطلح تطبيقيًا، لأن الحافظ ابن حجر محدث وأصولي، فأراد أن يضبط الألفاظ على طريقة المناطقة، لأنه رأى أن القول في التدليس: هو رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن عاصره بينهم عمومٌ

(١) الكفاية ص٣٧٥. (٢) النكت على ابن الصلاح ص ٢٤٢.وقد جعل المحققان عبارة:" ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلس" من كلام الحافظ ابن حجر، والصواب انه من كلام الخطيب كما هو في الكفاية. (٣) الكفاية ص٣٧٥. (٤) فتح المغيث ١/ ١٨٣. (٥) يريد ابن حجر. (٦) تدريب الراوي ١/ ٢٢٤. (٧) جامع التحصيل ص٩٧.

1 / 7

مطلقٌ (١)،على أنّ المتقدمين يطلقون التدليس أو الإرسال، وغيرهما من المصطلحات باعتبارات لغوية حسب، والله أعلم. المطلب الثاني: أنواع تدليس الإسناد: النوع الأول: تدليس التسوية: وهو أن يروي مدلس حديثًا عن شيخ ثقة، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة فيسند المدلس الذي سمع من الثقة ويذكر شيخه الثقة الأول، ويسقط الضعيف الذي في السند بين ثقتين ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات (٢). قال الحافظ العلائي:"وهو مذموم جدًا من وجوه كثيرة منها أنه غش وتغطية لحال الحديث الضعيف وتلبيس على من أراد الاحتجاج به. ومنها أنه يروي عن شيخه ما لم يتحمله عنه لأنه لم يسمع منه الحديث إلا بتوسط الضعيف ولم يروه شيخه بدونه. ومنها أنه يصرف على شيخه بتدليس لم يأذن له فيه، وربما ألحق بشيخه وصمة التدليس إذا تتحقق عليه أنه رواه عن الواسطة الضعيف ثم يوجد ساقط في هذه الرواية فيظن أن شيخه الذي أسقطه ودلس الحديث وليس كذلك" (٣). وقد لا يفعل ذلك لنفسه بل يفعله لشيخه أو بعض من فوقه؛ أي إنه لا يحذف شيخه بل يحذف بعض من فوقه، فكأن هذا الذي فُعل له ذلك هو الذي دلس وهو في الحقيقة غير مدلس (٤). ونقل السيوطي عن الحافظ ابن حجر القول: إن:" ابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس، فيقول: سواه فلان، وهذه تسوية، والقدماء يسمونه تجويدًا، فيقولون: جوده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد ... قال: والتحقيق أن يقال متى قيل تدليس التسوية: فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث، وإن قيل تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه، كما فعل مالك فإنه لم يقع في التدليس أصلًا، ووقع في هذا فإنه يروي عن ثور عن ابن عباس وثور لم يلقه وإنما روى عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده، وعلى هذا يفارق المنقطع بأن

(١) ينظر فتح المغيث ١/ ٢٢٤. (٢) ينظر جامع التحصيل ص٩٧، الكفاية، الخطيب ص ٣٧٥.،وفتح المغيث، السخاوي ١/ ١٨٢،وتدريب الراوي١/ ٢٥٥،وظفر الأماني ص ٣٧٧. (٣) جامع التحصيل ص٩٧. (٤) تدريب الراوي١/ ٢٢٦،وينظر فتح المغيث، السخاوي ١/ ١٨٣.

1 / 9

شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفًا فهو منقطع خاص " (١). ... وبهذا يتضح لنا الفرق بين تدليس التسوية وبين والتسوية، وقول الحافظ: إنه منقطع خاص لأن الساقط هنا يشترط أن يكون ضعيفًا، ولا يشترط ذلك في المنقطع ولذا كان المنقطع خاصا (٢).ومثاله: ما أخرجه ابن أبي حاتم في علله قال:" سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه إسحق ابن راهويه عن بقية، قال: حدثني أبو وهب الاسدي، قال: حدثنا نافع عن ابن عمر، قال:"لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه". قال أبي: هذا الحديث له علة قل من يفهمها، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ. وعبيد الله بن عمرو وكنيته أبو وهب وهو أسدي فكناه بقية بن الوليد، ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن به حتى إذا ترك اسحق بن أبي فروة من الوسط لا يُهتدى به، وكان بقية من أفعل الناس لهذا. وأما ما قال إسحق في روايته عن بقية عن أبي وهب حدثنا نافع، فهو أن وجهه عندي أن أسحق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث، ولم يفطن لما عمل بقية من تركه إسحق من الوسط وتكنيته عبيد الله بن عمرو فلم يفتقد لفظة بقية في قوله حدثنا نافع أو عن نافع" (٣). النوع الثاني: تدليس العطف:"وهو أن يصرح بالتحديث عن شيخ له، ويعطف عليه شيخًا آخر له، لم يسمع منه ذلك المروي سواء اشتركا في الرواية عن شيخ واحد أم لا" (٤). وهو على أصناف ثلاثة: ... الأول: عطف اسم راو على اسم راو قبله مع نية القطع، وهو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون المدلس قد سمع ذلك المروي من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضًا؛ وهو إنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال: (وفلان)، أي: وحدث فلانٌ. مثاله ما روى الحاكم في قال: (وفيما حدثونا أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يومًا على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك فكان يقول في كل حديث يذكره: حدثنا حسين ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفًا مما

(١) تدريب الراوي١/ ٢٢٦،وينظر فتح المغيث، السخاوي ١/ ١٨٣. (٢) ينظر أسباب اختلاف المحدثين، خلدون الأحدب ١/ ٢٨٤. (٣) العلل ٢/ ١٥٤ - ١٥٥،وقد ذكره الخطيب في كفايته ص ٣٧٥.والعراقي في شرحه للألفية ص٨٤. (٤) فتح المغيث، السخاوي ١/ ١٧٣بتصرف يسير.

1 / 10

قلته، إنما قلت حدثني حصين، ومغيرة غير مسموع لي) (١) ا. هـ. ولكن هذه القصة ذكرها الحاكم بغير سند، ويظهر أنها لم تُرو مسندة، وتناقلها أهل المصطلح هكذا بدون سند. الثاني: عطف جملة سياق حديث على جملة سياق حديث ورد قبله: ... ومثال ذلك فيما يظهر في صنيع هشيم في حديثه التالي: قال عبد الله بن أحمد:"حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال أخبرنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ جعل يوم خيبر للفرس سهمين وللرجل سهمًا" (٢)؛ثم قال:"حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ مثل ذلك سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عبيدالله" (٣).فهشيم ساق حديثًا لشيخه الكلبي بقوله (حدثنا)، ثم عطف عليه حديثًا لشيخه عبيد الله ولكن لم يبدأه بأية صيغة؛ فهو أراد بهذا العطف عطف جملة على جملة، أي (وحدث عبيد الله) إلى آخره، لا عطف فاعل على فاعل، أعني لم يعطف عبيد الله على الكلبي. ... الثالث: أن ينفي السماع من الأول ثم يذكر الثاني من غير صيغة أداء ويوهم أنه سمع منه بخلاف الأول، وقد ادعى بعضهم أن أبا إسحاق السبيعي فعله. قال البخاري: حدثنا أبو نعيم قال حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه أنه سمع عبد الله يقول:"أتى النبي ﷺ الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس". وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق حدثني عبد الرحمن (٤). قال الحاكم في المعرفة: "قال علي: وكان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق: إنه كان يقول: ليس أبو عبيدة حدثنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن النبي ﷺ في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة، قال ابن الشاذكوني: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى، قال: أبو عبيدة لم يحدثني، ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان، ولم يقل حدثني؛ فجاز الحديث وسار" (٥). ...

(١) معرفة علوم الحديث ص١٣١. (٢) العلل (٢١٩١). (٣) العلل (٢١٩٢). (٤) صحيح البخاري (١٥٦). (٥) معرفة علوم الحديث ص١٣٥

1 / 11

ولكن الحافظ ابن حجر بين في (هدي الساري) أن هذا ليس بتدليس، وكذلك فعل في شرح الحديث في (الفتح) فقال: ... "قوله: (ليس أبو عبيدة) أي ابن عبد الله بن مسعود؛ وقوله (ذكره) أي لي (ولكن عبد الرحمن بن الأسود) أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية الآتية المعلقة (حدثني عبد الرحمن).وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة. ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق. فمراد أبي إسحاق هنا بقوله (ليس أبو عبيدة ذكره) أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة وإنما أرويه عن عبد الرحمن ... قوله (وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال (حدثني عبد الرحمن) يعني ابن الأسود بن يزيد بالإسناد المذكور أولًا. وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق دلس هذا الخبر كما حُكِي ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال: لم يسمع في التدليس بأخفى من هذا، قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن، ولم يقل: ذكره لي، انتهى. وقد استدل الإسماعيلي أيضًا على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن يكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال بعد أن أخرجه من طريقه: والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان، أو بالتصريح من قوله؛ فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس" (١). أ. هـ ... ومن المهم أن أبين أن الحافظ ابن حجر قيد تدليس العطف بقيد هو اشتراك شيخي المدلس في الرواية عن شيخ واحد. (٢) ... وخالفه في ذلك تلميذه الحافظ السخاوي، مشيرًا إلى أن تقييده هذا إنما كان من أجل المثال الذي وقع له (٣)؛وكذا الصنعاني إذ قال:"لا يقتصر أن يعطف بشيخ واحد، فربما كان العطف

(١) فتح الباري ١/ ٢٥٦ - ٢٥٨. (٢) ينظر فتح المغيث السخاوي ١/ ١٧٣،وتوضيح الأفكار، الصنعاني ١/ ٣٦٠. (٣) فتح المغيث السخاوي ١/ ١٧٣.

1 / 12

بأكثر من واحد من شيوخه " (١). ... النوع الثالث: تدليس القطع: " وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله مثلًا الزهري عن أنس " (٢).وهذا الصنيع يليق أن يسمى التدليس بحذف الصيغة، أي:"أن يسقط الراوي أداة الرواية مقتصرًا على اسم الشيخ أو يأتي بها ثم يسكت ناويًا القطع" (٣).وبمقتضى هذا التعريف فإن تدليس القطع يكون على صنفين (٤): ... الأول: أن يقطع اتصال أداة الرواية بالراوي مقتصرًا على اسمه فحسب. الثاني: أن يأتي بأداة الرواية ثم يسكت ناويًا القطع ويأتي بعد ذلك باسم الراوي. ومما يجدر التنبه له أن الإمام اللكنوي اعتبرهما –هذين الصنفين-قسمًا قائمًا بذاته من أقسام التدليس التسعة التي ذكرها في ظفر الأماني (٥). ... ومن الأمثلة عليه: صنيع هشيم في حديثه الذي رواه عنه عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال: إما المغيرة وإما الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: لم ير بأسًا بمصافحة المرأة التي قد خلت من وراء الثوب؛ سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة ولا من الحسن بن عبيد الله. (٦) ومن أمثلته: ما كان يفعله عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي؛ قال ابن سعد في (الطبقات) فيه: (وكان يدلس تدليسًا شديدًا وكان يقول: " سمعتُ " و"حدثنا "،ثم يسكت ثم يقول: "هشام بن عروة، الأعمش") (٧) ا. هـ. ... وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكر عمر بن علي فأثنى عليه خيرًا، وقال: (كان يدلس، سمعته يقول: حجاج سمعته، يعني: حدثنا آخر، قال أبي: هكذا كان يدلس) ا. هـ (٨) ومما يجدر التنبيه عليه أن لحافظ ابن حجر (رحمه لله) مثّل في (النكت) لتدليس القطع أو

(١) توضيح الأفكار، الصنعاني ١/ ٣٦٠. (٢) طبقات المدلسين، ابن حجر العسقلاني ص ١٤،وينظر فتح المغيث، السخاوي ١/ ١٧٢،وتدريب الراوي، السيوطي١/ ٢٢٤،وتوضيح الأفكار، الصنعاني ١/ ٣٧٦. (٣) المعتصر من مصطلحات أهل الأثر للشيخ عبد الوهاب بن عبد اللطيف ص ٣٤. (٤) ينظر أسباب اختلاف المحدثين، خلدون الأحدب ١/ ٢٨٦. (٥) ظفر الأماني ص٣٧٩ - ٣٨٠. (٦) العلل (٢٢٢٩). (٧) طبقات ابن سعد٧/ ٢٩١. (٨) سؤالات عبد الله بن أحمد لأبيه٣/ ١٤.

1 / 13

السكوت: (مثاله ما رويناه في الكامل لأبي أحمد بن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: (حدثنا)، ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ﵂ (١). أقول - الباحث-:لا يُعلم أحدٌ وصف الطنافسي بالتدليس غير الحافظ ابن حجر في (النكت)، بل لم يذكره ابن حجر نفسه في (طبقات المدلسين)، ولا وصفه بالتدليس في (التهذيب) ولا (التقريب)، ولكنه قال في ترجمة عمر بن علي المقدمي من (التقريب): (ثقة وكان يدلس شديدًا).فهذا كله يدل على أن المقصود هو المقدمي وليس الطنافسي، والله اعلم. ولا يلزم أن يكون التدليس بإسقاط راو واحد بل قد يكون بإسقاط أكثر من راو، فالتدليس قد يقع بإسقاط المدلس أكثر من واسطة بينه وبين شيخه كما قال أحمد بن حنبل في المبارك بن فضالة: كان يرسل [عن] الحسن؛ قيل: يدلس؟ قال: نعم؛ قال: (وحدث يومًا عن الحسن بحديث فوُقِف عليه، قال: حدثنيه بعض أصحاب الحديث عن أبي حرب عن يونس) أي عن الحسن، وبناء على ما تقدم فإنه قد لا يقنع الناقد الفطن بالوقوف على راو واحد بين الراوي المدلس وشيخه في حديث من الأحاديث، لقيام القرينة على قوة احتمال أن تكون الواسطة بينهما أكثر من راو؛ وهذا أمر مهم يدخل في مسألة أحكام متابعة المدلسين والضعفاء لبعضهم في الروايات. وقد ذكر الحافظ ابن جماعة ذلك (٢)،كما مر. المطلب الثالث: حكم تدليس الإسناد تدليس الإسناد بأنواعه مكروه جدًا، وقد ذم التدليس كبار النقاد، وبالغوا في ذمه، فقال شعبة بن الحجاج:"التدليس في الحديث أشد من الزنا ولَأَنْ أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس" (٣)،ونقل مُرَّةٌ عنه القول:"لَأَنْ أزني أحب إلي من أدلس" (٤).وقال حماد بن زيد:" المدلس متشبع بما لم يُعْطَ". (٥)

(١) النكت ص ٢٤٤. (٢) المنهل الروي ص٧٢. (٣) الكفاية، الخطيب ص ٣٥٦،وتدريب الراوي، السيوطي ١/ ٢٢٣. (٤) ينظر المصدر السابق. (٥) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص١٣١،والكفاية، الخطيب ص ٣٥٦،وتدريب الراوي، السيوطي ١/ ٢٢٣.

1 / 14

وقال سليمان بن داود المنقري:" التدليس والغش والغرور والخداع والكذب يحشر يوم تبلى السرائر في نفاذ واحد ... وذكر لعبد الله بن المبارك رجل ممن كان يدلس، فقال فيه قولًا شديدًا وأنشد فيه: دلس للناس أحاديثه والله لا يقبل تدليسا " (١). واختلف أهل العلم في قبول حديث المدلس على أقوال: ١ - عدم القبول مطلقًا: فلا تقبل روايته لما فيه من الغش والتُّهَمة، إذ عدل عن الكشف إلى الاحتمال، وهو تشبع بما لم يعط (٢). قال الخطيب:" وقال فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث إن خبر المدلس غير مقبول لأجل ما قدمنا ذكره من أن التدليس يتضمن الإيهام لما لا أصل له، وترك تسمية من لعله غير مرضي ولا ثقة وطلب توهم علو الإسناد وان لم يكن الأمر كذلك" (٣).وقال السيوطي:"مكروه جدا ذمه أكثر العلماء وبالغ شعبة في ذمه فقال لأن أزني أحب إلي من أن أدلس وقال التدليس أخو الكذب، قال فريق منهم من عرف به صار مجروحا مردود الرواية وإن بين السماع" (٤). ٢ - القبولُ مطلقًا: قال الخطيب:"وقال خلق كثير من أهل العلم خبر المدلس مقبول لأنهم لم يجعلوه بمثابة الكذاب ولم يروا التدليس ناقضا للعدالة وذهب إلى ذلك جمهورُ مَنْ قَبِل المراسيل من الأحاديث وزعموا أن نهاية أمره أن يكون التدليس بمعنى الإرسال " (٥). ... وقال التهانوي:"الأصح أن التدليس ليس بجرح " (٦). ... وذكر العلامة ابن الوزير اليماني:"أن قبول خبر المدلس هو مذهب عامة اليزيدية والمعتزلة، وقال في تعليل قبول الزيدية له: إن التدليس ضرب من الإرسال والمرسل محتج به عندهم" (٧).

(١) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص١٣١. (٢) ينظر المقدمة، ابن الصلاح ص ٦٧،وفتح المغيث، السخاوي ١/ ١٧٣. (٣) تدريب الراوي ١/ ٢٢٣. (٤) الكفاية ص ٣٦١. (٥) الكفاية ص ٣٦١. (٦) قواعد في علوم الحديث ص ١٣٨. (٧) تنقيح الأنظار، شرح توضيح الأفكار ١/ ٣٤٧.

1 / 15

٣ - قبول الرواية من المدلس إذ عرف عنه أنه لا يدلس إلا عن ثقة: ... قال الحافظ العراقي: قال الإمام أبو بكر البزار في جزئه "معرفة من يترك حديثه أو يقبل":"إن من كان يدلس عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولًا، .. فمن كانت هذه صفته وجب أن يكون حديثه مقبولا ً وإن كان مدلسًا" (١). ... وقال الخطيب:"وقال بعض أهل العلم: إذا دلس المحدث عمن لم يسمع منه ولم يلقه وكان ذلك الغالب على حديثه لم تقبل رواياته (٢).وأما إذا كان تدليسه عمن قد لقيه وسمع منه فيدلس عنه رواية مالم يسمعه منه فذلك مقبول بشرط أن يكون الذي يدلس عنه ثقة" (٣). وهو مذهب أكثر أئمة الحديث كما نص على ذلك ابن عبد البر فقال:"فمن كان لا يدلس الا عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا وإلا فلا " (٤). ... ونقل الخطيب عن أبي الفتح الأزدي الحافظ القول:"التدليس على ضربين: فإن كان تدليسا عن ثقة لم يحتج أن يوقف على شيء وقبل منه، ومن كان يدلس عن غير ثقة لم يقبل منه الحديث إذا أرسله حتى يقول: حدثني فلان أو سمعت، فنحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه، لأنه يحيل على ملىء ثقة ولا نقبل من الأعمش تدليسه لأنه يحيل ملىء والأعمش إذا سألته عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف (٥) وعباية بن ربعي (٦) وابن عيينة إذا وقفته قال عن ابن جريج ومعمر ونظرائهما فهذا الفرق بين التدليسين" (٧). ... ٤ - ما رواه المدلس الثقة بلفظ مبين الاتصال، نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها قبل منه، واحتج به. قال الخطيب:"وقال آخرون خبر المدلس لا يقبل إلا أن يورده على وجه مبين غير محتمل للإيهام فإن أورده على ذلك قبل" (٨). قال الخطيب:"وهذا هو الصحيح عندنا" (٩).

(١) شرح الفية الحديث، العراقي ص ٨٠. (٢) وهذا ما عده الحافظ ابن حجر ومن تبعه من حذاق الصنعة إرسالا خفيا. (٣) الكفاية ص ٣٦١. (٤) التمهيد ١/ ١٧،وينظر فتح المغيث، السخاوي ١/ ١٧٤. (٥) قال الذهبي في الميزان:٦/ ٥٤٥:"كذبه أبو بكر بن عياش، وقال: يحيى، والدارقطني ضعيف، وقال الجوزجاني: زائغ ". (٦) ضعيف من غلاة الشيعة، ينظر الميزان ٤/ ٥٦. (٧) الكفاية ص ٣٦١. (٨) الكفاية ص ٣٦٥. (٩) ينظر المصدر السابق.

1 / 16

وقال الحافظ العلائي:"والصحيح الذي عليه جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول الاحتجاج بما رواه المدلس الثقة مما صرح فيه بالسماع، دون ما رواه بلفظ محتمل، لأن جماعة من الأئمة الكبار دلسوا، وقد اتفق الناس على الاحتجاج بهم ولم يقدح التدليس فيهم كقتادة، والأعمش، والسفيانين الثوري، وابن عيينة، وهشيم بن بشير، وخلق كثير. وأيضا فإن التدليس ليس كذبا صريحا بل هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل، كما قال الإمام الشافعي ﵀: ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته، وليست تلك العورة بكذب فيرد حديثه ولا على النصيحة في الصدق فيقبل منه ما قبلناه من أهل الصدق، فلذلك قلنا إنه لا يقبل من المدلس حديث حتى يقول: حدثنا وسمعت؛ هذا لفظه. والذي ينبغي أن ينزل قول من جعل التدليس مقتضيا لجرح فاعله على من أكثر التدليس عن الضعفاء وأسقط ذكرهم تغطية لحالهم، وكذلك من دلس اسم الضعيف حتى لا يعرف، ولهذا ترك جماعة من الأئمة كأبي حاتم الرازي وابن خزيمة وغيرهما الاحتجاج ببقية مطلقا. قال ابن حبان: سمع بقية من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذابين عن مالك وشعبة فروى عن الثقات بالتدليس ما أخذ عن الضعفاء. ولا شك في أن مثل هذا مقتض للجرح لكن الذي استقر عليه عمل الأكثرين الاحتجاج بما رواه المدلس الثقة بلفظ صريح في السماع وبهذا أجاب علي بن المديني ويحيى ابن معين وغيرهما". (١) قلت: وهو الذي ذهب إليه جمهور أئمة الحديث والفقه والأصول، كما مر (٢). أما ما كان في الصحيحين من رواية المدلسين بصيغة العنعنة، فهو محمول على ثبوت السماع عندهم فيه من جهة أخرى كما نص على ذلك الإمام النووي وغيره (٣).وتوسع الصنعاني أيما توسع وأجاد، فلينظر (٤). ... وقال العلامة المعلمي في بيان كون التدليس جرحًا لصاحبه أم لا؟: (ذكر أبو رية ما حكي عن شعبة في ذم التدليس وقال: "ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقًا وإن أتى بلفظ الاتصال"،أقول-والقائل المعلمي-: بعد أن استحكم العرف الذي مر

(١) جامع التحصيل ص٩٨ - ١٠١،وينظر شرح الفية الحديث، العراقي ص٨٠. (٢) ينظر للمزيد مقدمة ابن الصلاح ص٦٧،واختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث، ابن كثير ص ٤٦،وشرح الألفية، للعراقي ص٨٠،وفتح المغيث، السخاوي ١/ ١٧٥،وتدريب الراوي، السيوطي ١/ ٣٢٩،وتوضيح الأفكار، الصنعاني ١/ ٣٥٢. (٣) تقريب النواوي بشرحه تدريب الراوي ١/ ٢٣٠. (٤) توضيح الأفكار ١/ ٣٥٣ - ٣٦٦.

1 / 17

بيانه نشأ أفراد لا يلتزمونه، وهم ضربان: ... الضرب الأول: من بين عدم التزامه فصار معروفًا عند أصحابه والآخذين عنه أنه إذا قال: (قال فلان ٠٠٠) ونحو ذلك وسمى بعض شيوخه احتمل أن يكون سمع الخبر من ذاك الشيخ واحتمل أن يكون سمعه من غيره عنه. فهؤلاء هم المدلسون الثقات. وكان الغالب أنه إذا دلس أحدهم خبرًا مرة أسنده على وجهه أخرى. وإذا دلس فسئل بيّن الواقع. ... الضرب الثاني: من لم يبين بل يتظاهر بالالتزام ومع ذلك يدلس عمدًا. وتدليس هذا الضرب الثاني حاصله إفهام السامع خلاف الواقع، فإن كان المدلس مع ذلك متظاهرًا بالثقة كان ذلك حملًا للسامع ومن يأخذ عنه على التدين بذاك الخبر عملًا وإفتاءً وقضاءً. فأما تدليس الضرب الأول فغايته أن يكون الخبر عند السامع محتملًا للاتصال وعدمه، وما يقال إن فيه إيهام الاتصال إنما هو بالنظر إلى العرف الغالب بين المحدثين، فأما بالنظر إلى عرف المدلس نفسه فما ثم إلا الاحتمال. فالضرب الثاني هو اللائق بكلمات شعبة ونحوها وبالجرح وإن صرح بالسماع" (١). ومما تجدر الإشارة إليه: هو أنّ المدلس إذا لم يثبت سماعه لحديث بعينه من شيخه، وكان الأمر على الاحتمال، ثم تابعه على رواية ذلك الحديث عن ذلك الراوي الذي فوقه: بعضُ الرواة، فلا يصح أن تجعل المتابعة - حينئذ - لذلك المدلِّس، لاحتمال أن تكون للواسطة التي أسقطها بينه وبين شيخه. بل قد تكون تلك الواسطة المحذوفة ذلك المتابِعَ نفسَه، أعني الراوي الذي كان يُظَن أنه متابع للمدلس، وهو في الحقيقة شيخه المحذوف؛ فإن ثبت مثل ذلك بشأن بعض روايات المدلسين، فحينئذ يكون على ذلك المحذوف مدار الروايتين. ثم إن تبين أن ذلك الشيخ قد تفرد بالحديث: حُكِم على حديثه ذاك بمقتضى ذلك السند، فإن وُجد أن ذلك الراوي ضعيفٌ ضُعّف الحديث بسببه، فصارت الرواية التي كانت تعدُّ – أول الأمر – متابعةً: دليلًا على ضعف رواية المدلس لا على قوتها. ومثال ذلك: حديث عمرو بن شعيب، قال: طاف محمد - جده - مع أبيه عبد الله بن عمرو، فلما كان سبعهما، قال محمد لعبد الله حيث يتعوذون: استعذ؛ فقال عبد الله: أعوذ بالله من الشيطان؛ فلما استلم الركن تعوذ بين الركن والباب، وألصق جبهته وصدره بالبيت، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ يصنع هذا".

(١) الأنوار الكاشفة ص١٦١.

1 / 18

فهذا الحديث رواه ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو؛ أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (١).وتابع ابنَ جريج في روايته عن عمرو به: المثنى بنُ الصبّاح، عند أبي داود، (٢)،لكن ابن جريج مدلس، وقد ثبت أنه دلس في هذا الحديث، وثبت أن الواسطة بينه وبين عمرو بن شعيب هو المثنى نفسه، إذ أخرجه، من غير تدليس، عبدُ الرزاق في (المصنف) أيضًا (٣)،فرواه عن ابن جريج عن المثنى عن عمرو بن شعيب به. ... وبهذه الرواية يتبين أن رواية ابن جريج عن عمرو، لهذا الحديث، لا تتقوى برواية ابن المثنى عن عمرو للحديث نفسه، أعني التي عند أبي داود؛ بل تبين أنها رواية ساقطة - كرواية أبي داود، وكرواية عبد الرزاق الأخرى المتصلة – لأنها راجعة إلى رواية المثنى نفسه، وهو ضعيف بمرة ولا يحتج به (٤). ... أما إذا روى المدلس حديثًا بالعنعنة ثم وقف على رواية صحيحة الإسناد إلى المدلس، وهو يذكر فيها واسطة بينه وبين من فوقه في الإسناد الأول، فإنه حينئذ يُعلم بذلك أن في موضع العنعنة انقطاعًا أي تدليسًا؛ قال ابن القطان: "فإذا روى المدلس حديثًا بصيغة محتملة، ثم رواه بواسطة تبين انقطاع الأول عند الجميع" (٥)؛ قال الحافظ ابن حجر –معلقًا_:" وهذا بخلاف غير المدلس، فإن غير المدلس يُحمل غالب ما يقع منه من ذلك على أنه سمعه من الشيخ الأعلى، وثبَّتَه فيه الواسطة" (٦).

(١) المصنف ٥/ ٧٥. (٢) السنن (١٨٩٩). (٣) المصنف ٥/ ٧٤. (٤) ينظر التهذيب ١٠/ ٣٦. (٥) النكت ص ٢٤٩. (٦) ينظر المصدر السابق.

1 / 19

المبحث الثالث: تدليس الشيوخ المطلب الأول: تعريفه: وهو أن يروي الراوي عن الشيخ، فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه، بما لم يشتهر به، أو بما لم يعرف به أصلًا؛ فإما أن يُجْهَل - بسبب ذلك - الشيخ المراد تعيينه، أو توافق تسميته تسمية غيره من الثقات أو الكبار أو المشاهير فيوهم ذلك أنه المراد بكلامه. ... وعرفه العراقي:"بأن يصف المدلس شيخه الذي سمع ذلك الحديث منه بوصف لا يعرف به من اسم كنيته أو نسبة إلى قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو، ذلك كي يوعر الطريق إلى معرفة السامع له" (١). وعلق الحافظ العسقلاني على هذا التعريف بقوله:"ليس قوله مما لا يعرف به قيدا، بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسًا" (٢).وهو تعقب متجه، والله أعلم. وعرفه السيوطي بقوله:" تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف " (٣). وفي هذا القسم من التدليس تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته كما قال الإمام ابن الصلاح (٤). ... ويختلف تدليس الشيوخ باختلاف الأغراض فمنهم من يدلس شيخه لكونه ضعيفا أو متروكا حتى لا يعرف ضعفه إذا صرح باسمه ومنهم من يفعل ذلك لكونه كثير الرواية عنه كي لا يتكرر ذكره كثيرا أو لكونه متأخر الوفاة قد شاركه فيه جماعة فيدلسه للإغراب أو لكونه أصغر منه أو لشيء بينهما. ... وينبغي الاعتناء بمعرفة أسماء الرواة الذين كانوا يتعاطون هذا النوع من التدليس، فإنه يورد ريبة في كل شيخ لأحدهم غير معروف، وكذلك يورد ريبة في روايته عن حافظ ثقة شهير له أصحاب يلازمونه وتفرد عنه بالحديث ذلك المدلس، دونهم، فحينئذ يقوم الاحتمال على أن يكون المسمى بذلك الاسم راويًا آخر غير ذلك الحافظ الشهير، وقد يكون مجروحًا أو مجهولًا، ولكن ذلك المدلس دلس اسمه عمدًا، غيَّره ليوافق اسم الحافظ المشهور ليوهم أنه هو شيخه في ذلك الحديث. ومن الكتب المُساعدة على كشف هذا النوع من التدليس (موضح أوهام الجمع

(١) شرح الفية الحديث، العراقي ص٨٣ وينظر المقدمة، ابن الصلاح ص٦٨،واختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث، ابن كثير ص٤٧،والنكت على ابن الصلاح، ابن حجر ص٢٤٤،وفتح المغيث، السخاوي ١/ ١٧٥،وتدريب الراوي، السيوطي١/ ٢٢٨. (٢) النكت ص ٢٤٤. (٣) تدريب الروي ١/ ٢٢٨. (٤) المقدمة ص٦٨.وينظر شرح الفية الحديث، العراقي ص٨٤.

1 / 20

والتفريق) للخطيب البغدادي. ومما يجدر التنبيه عليه: أن هذا النوع من التدليس لا علاقة له بالاتصال والانقطاع، فحقه أن يذكر في كتب المصطلح في أبواب أسماء الرواة وكناهم وألقابهم، ولكن جرت عادة المصنفين في هذا الفن بذكر أنواع التدليس مجتمعة في موضوع الاتصال والانقطاع غالبًا؛ ولذلك - أو لغيره - يذكرون هذا النوع في أبوابها. ... ومن أهم أضرار تدليس الأسماء، ما نبه عليه ابن دقيق العيد ﵀: فقال: (فيه -أي تدليس اسم الشيخ الثقة- مفسدة من جهة أنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولًا لا يُعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلًا في نفس الأمر) (١). ... وعقب عليه الحافظ ابن حجر في (النكت) فقال:" وقد نازعته في كونه يصير مجهولًا عند الجميع، لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلَّس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه، فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفًا وهو في نفس الأمر صحيح؛ وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل عن رتبة من يُرَدُّ خبره مطلقًا إلى رتبة من يتوقف فيه. فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فمفسدته أشد؛ كما وقع لعطية العوفي في تكنيته محمد بن السائب الكلبي أبا سعيد، فكان إذا حدث عنه يقول: حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي ﵁ لأن عطية كان لقيه وروى عنه؛ وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ وأما ما عدا ذلك من تدليس الشيوخ، فليس فيه مفسدة تتعلق بصحة الإسناد وسقمه، بل فيه مفسدة دينية فيما إذا كان مراد المدلس إيهام تكثير الشيوخ لما فيه من التشبع ونظيره في تدليس الإسناد أن يوهم العلو وهو عنده بنزول" (٢). ... ومن أهم أسباب تدليس الشيوخ: أن يكون الشيخ المدلَّس اسمُه: مجروحًا أو مجهولًا أو صغيرًا أو قريبًا أو تكون أحاديثه مشهورة متداولة قد سمعها أكثر الحاضرين في مجلس المدلس، أو مجلس غيرِه، أو يكون المدلس مكثرًا عن ذلك الراوي فيغير تسميته دفعًا للتكرار. ... وبعبارة أخرى: سبب تدليس الإسناد إرادة إخفاء حقيقة الراوي وإيهام أن الحديث لراو آخر غيره؛ إما بسبب صغره أو قربه أو رغبة الناس عن حديثه أو كراهته أو الخوف من ذكره عند من يعاديه أو كذبه أو تركه أو ضعفه، وذلك أن قومًا سمعوا الحديث من ضعفاء لهم أسماء أو كنى مشهورة عرفوا بها فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة وكناهم المعلومة لم يُشتغَل بحديثهم فأتوا

(١) نقله الحافظ ابن حجر في النكت ص٢٥١،والصنعاني في توضيح الأفكار ١/ ٣٧٢. (٢) النكت على ابن الصلاح ص ٢٥١.

1 / 21