239

التيسير في التفسير

محقق

ماهر أديب حبوش وآخرون

الناشر

دار اللباب للدراسات وتحقيق التراث

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٤٠ هجري

مكان النشر

أسطنبول

تصانيف

التفسير
وقد أُظهر ذلك في قوله: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الإسراء: ١١١]، وهذا تعليمٌ مِن اللَّه عزَّ وعلا لعباده كيفيةَ حمدِه وثنائِه.
وقال بعضُهم: هو على الإخبارِ، ومعناه: أنَّ حمدَ جميعِ الحامدين ومدحَ جميعِ المادحين وشكرَ جميعِ الشاكرين وذِكْرَ جميعِ الذاكرين للَّهِ ﷿، وبالفارسية: (حمد خداي داما نداي راشيد وخداي راسد ها وجن وردل نشود).
وذلك لأنَّ المُنعِم هو اللَّهُ تعالى، فالشكر له، قال اللَّهُ تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ ومَن أَنعمَ عليكَ مِن خَلْقه فبتوفيقِه وعونِه، وأمَّا الابتداءُ فحمدٌ (^١) مِن اللَّه تعالى لنفسِه لأنه يحبُّ الحمد.
قال النبيُّ ﷺ: "لا أحدَ أحبُّ للمدح مِن اللَّه تعالى، فلذلك مَدَح نفسَه فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ " (^٢).
وقال أصحابُ المعاني: حَمدَ اللَّهُ تعالى نفسَه فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، واستَحمَدَ مِن خَلْقه فقال: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [النمل: ٥٩]، ونزَّه نفسَه فقال: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ [المؤمنون: ٩١] واستَنْزه مِن خَلْقه فقال: ﴿وَسَبِّحُوُه﴾ [الأحزاب: ٤٢]، وشَهدَ بوحدانيتِه فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨]، واستَشْهَد مِن خَلْقه فقال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، وأَظهر بذلك محبّتَه الحمدَ (^٣) والتنزيهَ والشهادةَ.
ولأنَّه لمَّا خَلَقَ الخلقَ وربَّاهم، وفهَّمهم وهداهم، وجبَ عليهم شكرُه بذلك

(^١) في (أ): "بحمد".
(^٢) رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" (١/ ١٣٧) عن الأسود بن سريع، وإسناده منقطع. ورواه البخاري (٤٦٣٤)، ومسلم (٢٧٦٠)، من حديث ابن مسعود ﵁ بلفظ: "ليس أحدٌ أَحبَّ إليه المدحُ من اللَّهِ من أَجْلِ ذلك مَدحَ نَفْسَه".
(^٣) في (ف): "للحمد".

1 / 94