التلويح في كشف حقائق التنقيح

سعد الدين التفتازاني ت. 792 هجري
69

التلويح في كشف حقائق التنقيح

الناشر

مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر

رقم الإصدار

١٣٧٧ هـ

سنة النشر

١٩٥٧ م

مكان النشر

مصر

وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ الْجَمْعُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ﴾ [آل عمران: ١٧٣] الْمُرَادُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ السُّعُودِ أَوْ أَعْرَابِيٌّ آخَرُ، وَالنَّاسُ الثَّانِي أَهْلُ مَكَّةَ. (وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَثْبُتُ الْأَدْنَى، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فِي الْجَمْعِ وَالْوَاحِدُ فِي غَيْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ تَجِبُ ثَلَاثَةٌ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا، وَبَيْنَكُمْ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا تَثْبُتُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيَثْبُتُ أَخَصُّ الْخُصُوصِ. (وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي الْكُلِّ) نَحْوُ جَاءَنِي الْقَوْمُ يُوجِبُ الْحُكْمَ وَهُوَ نِسْبَةُ الْمَجِيءِ إلَى كُلِّ أَفْرَادٍ تَنَاوَلَهَا الْقَوْمُ. (لِأَنَّ الْعُمُومَ مَعْنًى مَقْصُودٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ) فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ فِي التَّخَاطُبِ قَدْ وُضِعَ ــ [التلويح] مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ فَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُؤَكَّدُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِاخْتِلَافِ أَعْدَادِ الْجَمْعِ فَيَكُونُ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى الْإِجْمَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّوَقُّفِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْكُلِّ احْتِرَازًا عَنْ تَرْجِيحِ الْبَعْضِ بِلَا مُرَجِّحٍ فَلَا إجْمَالَ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ التَّأْكِيدَ دَلِيلُ الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَإِلَّا لَكَانَ تَأْسِيسًا لَا تَأْكِيدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْمَجَازَ رَاجِحٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْكَثِيرِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْجَمْعِ مَجَازًا فِي الْوَاحِدِ مِمَّا أَجَمَعَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ هَاهُنَا مَا يَعُمُّ صِيغَةَ الْجَمْعِ كَالرِّجَالِ وَاسْمِ الْجَمْعِ كَالنَّاسِ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ يُوَافِيَهُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فَلَمَّا دَنَّى الْمَوْعِدُ رَعَبَ وَنَدِمَ وَجَعَلَ لِنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُخَوِّفَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُمْ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] أَيْ: نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ ﴿إِنَّ النَّاسَ﴾ [آل عمران: ١٧٣] أَيْ: أَهْلَ مَكَّةَ ﴿قَدْ جَمَعُوا﴾ [آل عمران: ١٧٣] أَيْ: الْجَيْشَ لَكُمْ أَيْ: لِقِتَالِكُمْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) اسْتَدَلَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى، وَالْوَاحِدُ فِي الْجِنْسِ وَالثَّلَاثَةُ فِي الْجَمْعِ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْأَقَلُّ فَهُوَ عَيْنُ الْمُرَادِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا فَوْقَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُرَادِ هُوَ الْبَعْضُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْعُمُومُ رُبَّمَا كَانَ أَحْوَطَ فَيَكُونُ أَرْجَحَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّوْضِيحَ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عَامًّا، وَعَلَى كَوْنِ الْأَقَلِّ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَيْضًا هُوَ الثَّلَاثَةُ عَلَى خِلَافِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي دَلِيلِ الْإِجْمَالِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مَعْنًى مَقْصُودٌ) اسْتَدَلَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِالْمَعْقُولِ وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْعُمُومَ مَعْنًى ظَاهِرٌ يَعْقِلُهُ الْأَكْثَرُ وَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوضَعَ لَهُ لَفْظٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ كَكَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَ لَهَا الْأَلْفَاظُ لِظُهُورِهَا إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا، فَقَوْلُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ يَعْنِي: بِالْوَضْعِ لِيُثْبِتَ كَوْنَهُ عَامًّا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الظَّاهِرَ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ

1 / 70