التلويح في كشف حقائق التنقيح
الناشر
مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر
رقم الإصدار
١٣٧٧ هـ
سنة النشر
١٩٥٧ م
مكان النشر
مصر
تصانيف
أصول الفقه
الْأَقْرَبِ.
(فَسَادُ التَّرْكِيبِ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِلُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ [البقرة: ٢٣٠] بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] وَيَجْعَلُ ذِكْرَ الْخُلْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا﴾ [البقرة: ٢٢٩] إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] مُعْتَرِضًا وَلَمْ يَجْعَلْ الْخُلْعَ طَلَاقًا، بَلْ فَسْخًا وَإِلَّا يَصِرْ الْأَوَّلَانِ مَعَ الْخُلْعِ ثَلَاثَةً فَيَصِيرُ قَوْلُهُ ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ [البقرة: ٢٣٠] رَابِعًا وَقَالَ: الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ
ــ
[التلويح]
مَذْهَبِهِ أَنَّهُ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْبَيَانِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ﵀ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ وَالْمُصَنِّفُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ طَلَّقَهَا أَيْ: بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتَا عَلَى مَالٍ أَوْ بِدُونِهِ فَدَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْخُلْعِ عَمَلًا بِمُوجَبِ الْفَاءِ.
(قَوْلُهُ فَسَادُ التَّرْكِيبِ) هُوَ تَرْكُ الْعَطْفِ عَلَى الْأَقْرَبِ إلَى الْأَبْعَدِ مَعَ تَوَسُّطِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ قِيلَ اتِّصَالُ الْفَاءِ بِقَوْلِهِ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ [البقرة: ٢٣٠] أَيْ: بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ حَكَمَ بِفَسَادِهِ قُلْنَا الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٩] إلَخْ كَلَامًا مُعْتَرِضًا مُسْتَقِلًّا وَأَرَادَ فِي بَيَانِ الْخُلْعِ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ إلَى الطَّلْقَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.
وَأَمَّا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَعَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ النَّظْمِ، وَهُوَ أَنَّ الِافْتِدَاءَ مُنْصَرِفٌ إلَى الطَّلْقَتَيْنِ وَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا فِي الطَّلْقَتَيْنِ شَيْئًا إنْ لَمْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خَافَا ذَلِكَ فَلَا إثْمَ فِي الْأَخْذِ وَالِافْتِدَاءِ فَلَا فَسَادَ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِقَوْلِهِ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] هُوَ مَعْنَى اتِّصَالِهِ بِالِافْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الطَّلْقَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كِلْتَاهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا خُلْعٌ وَافْتِدَاءٌ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إشْكَالَانِ: الْأَوَّلُ: لُزُومُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْخُلْعِ قَبْلَ الطَّلْقَتَيْنِ عَمَلًا بِمُوجِبِ الْفَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] الْآيَةَ. الثَّانِي: لُزُومُ تَرْبِيعِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ [البقرة: ٢٣٠] لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الْخُلْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الطَّلْقَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِمُتَرَتِّبٍ عَلَى الطَّلْقَتَيْنِ، بَلْ مُنْدَرِجٌ فِيهِمَا، وَالْمَذْكُورُ عَقِيبَ الْفَاءِ لَيْسَ نَفْعَ الْخُلْعِ، بَلْ إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْخَوْفِ لَا جُنَاحَ فِي الِافْتِدَاءِ لَكِنْ يَرِدُ إشْكَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ لَا يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ فِي أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الصَّرِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ لَا الْخُلْعُ، وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ كَوْنَهُ رَجْعِيًّا إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْأَخْذِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْخُلْعِ لَا الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ أَعَمُّ مِنْ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِصِيغَةِ الطَّلَاقِ وَقَدْ يَكُونُ بِصِيغَةِ الْخُلْعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَمْ يَقَعْ نِزَاعُ الْخَصْمِ إلَّا فِي أَنَّ مَا يَكُونُ بِصِيغَةِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ
1 / 66