السنة قبل التدوين
الناشر
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٠ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
ونرى الأحاديث الموضوعة قد ظهرت بكثرة في العراق، حيث قامت أكثر الفتن والحوادث في هذا الإقليم، كما نشأت بذور الفرق الدينية فيه، وكادت ثقة المحدثين تفقد بعلماء هذا القطر، لولا قيام نقاد الحديث ورجاله وعلمائه بالكشف عن الكذابين، وبيان أحوالهم وتتبعهم.
وقد اشتهرت العراق بالوضع حتى سميت «دار الضرب» تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، وكان أهل المدينة يتوقون أحاديثهم، وكان مالك يقول: «نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب، لا تصدقوهم ولا تكذبوهم». وقال له عبد الرحمن بن مهدي: «يا أبا عبد الله سمعنا في بلدكم - (المدينة) - أربعمائة حديث في أربعين يوما ونحن (أي في العراق) في يوم واحد نسمع هذا كله»، فقال له: «يا عبد الرحمن، من أين لنا دار الضرب التي عندكم؟ دار الضرب تضربون بالليل وتنفقون بالنهار» (1). وقال ابن شهاب: «يخرج الحديث من عندنا شبرا فيعود في العراق ذراعا» (2). وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لجماعة من أهل العراق جاؤوا يسألونه أن يحدثهم: «إن من أهل العراق قوما يكذبون ويكذبون ويسخرون» (3).
...
ثانيا: أسباب الوضع:
ذكرت فيما سبق أن أسباب الوضع الرئيسية هي انقسام الأمة إلى أحزاب سياسية، اتخذت شكلا دينيا، وحاول كل حزب أن يدعم موقفه ويؤيد آراءه
صفحة ١٩٤