السيرة الحلبية إنسان العيون في سيرة الأمين المامون
الناشر
دار الكتب العلمية
الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٧ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
السيرة النبوية
لا تبقي في العادة هذا الزمن الطويل، ويبعد في العادة أن تكون شجرة تخلو عن أن ينزل تحتها أحد غير الأنبياء، لأن هذا الأمر مع كونه ممكنا خارق للعادة، والأنبياء لهم خرق العوائد سيما نبينا ﷺ.
وبهذا يردّ قول السهيلي: يريد ما نزل تحت هذه الشجرة الساعة إلا نبي ولم يرد ما نزل تحتها قط إلا نبي لبعد العهد بالأنبياء ﵈ قبل ذلك وإن كان في لفظ الخبر «قط» أي كما تقدم، فقد تكلم بها على جهة التأكيد للنفي، والشجرة لا تعمر في العادة هذا العمر الطويل حتى يدرى أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى أو غيره من الأنبياء. ويبعد في العادة أيضا أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها أحد حتى يجيء نبي، هذا كلامه.
وقد يقال: يجوز أن تكون تلك الشجرة كانت شجرة زيتون. فقد ذكر أن شجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة، على أن في بعض الروايات: ونزل رسول الله ﷺ تحت شجرة يابسة نخر عودها، فلما اطمأن تحتها اخضرت ونورت، واعشوشب ما حولها، وأينع ثمرها، ودلت أغصانها ترفرف على رسول الله ﷺ.
قال بعضهم: المختار عند جمهور المحققين من أهل السنة أن كل ما جاز وقوعه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من المعجزات جاز للأولياء مثله من الكرامات بشرط عدم التحدي، لأن المعجزة يعتبر فيها التحدي وأن تكون بعد النبوة، وما قبل النبوة كما هنا يقال له إرهاص.
وحينئذ لا يستبعد ما ذكر عن الشيخ رسلان ﵀ أنه كان إذا استند إلى شجرة يابسة قد ماتت تورق ويخرج ثمرها في الحال. على أنه سيأتي في الكلام على غزاة الخندق أن كرامات الأولياء معجزات لأنبيائهم.
ولما رأى الراهب ما ذكر لم يتمالك الراهب أن انحدر من صومعته، وقال له:
باللات والعزى ما اسمك؟ فقال له: إليك عني، ثكلتك أمك، ومع ذلك الراهب رقّ مكتوب، فجعل ينظر في ذلك الرق، ثم قال هو هو ومنزل التوراة، فظن بعض القوم أن الراهب يريد بالنبي ﷺ مكرا، فانتضى سيفه وصاح: يا آل غالب يا آل غالب، فأقبل الناس يهرعون إليه من كل ناحية يقولون: ما الذي راعك؟ فلما نظر الراهب إلى ذلك أقبل يسعى إلى صومعته فدخلها وأغلق عليه بابها، ثم أشرف عليهم فقال:
يا قوم ما الذي راعكم مني؟ فو الذي رفع السموات بغير عمد إني لأجد في هذه الصحيفة أن النازل تحت هذه الشجرة هو رسول رب العالمين ﷺ، يبعثه الله بالسيف المسلول، وبالريح الأكبر، وهو خاتم النبيين، فمن أطاعه نجا، ومن عصاه غوى، ثم حضر رسول الله ﷺ سوق بصرى، فباع سلعته التي خرج بها واشترى. قال: ولم أقف على تعيين ما باعه وما اشتراه انتهى.
1 / 195