155

الشرح الكبير على المقنع

محقق

عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو

الناشر

هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٥ هجري

مكان النشر

القاهرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ، وأبو داودَ (١). فَشَبَّهَ الدِّباغَ بالذَّكاةِ، والذَّكاةُ إنّما تَعْمَلُ في مأكولِ اللَّحمِ، ولأنَّه أحدُ المُطَهِّرين للجِلْدِ، فلم يُوثِّرْ في غيرِ مَأكُولٍ كالذَّبْحِ. والأوَّلُ ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لعُمُومِ لفظِه في ذلك، ولأنَّ قولَه ﷺ: «أيُّمَا إِهَابٍ دُبغ فَقَدْ طَهُرَ» (٢). يَتَناوَلُ المَأكُولَ وغيرَه، وخَرَجَ مِنه ما كان نَجِسًا في الحياةِ، لكَوْنِ الدَّبْغ إنَّما يُوثِّرُ في رَفْعِ نجاسةٍ حادِثةٍ بالموتِ، فتَبْقَى فيما عَداه على قَضِيَّةِ العُمُومِ. وحديثُهم يَحْتَمِلُ أنه أرادَ بالذَّكاةِ التَّطْيِيبَ، مِن قَوْلِهم: رائِحة ذَكِيَّةٌ. أي: طيَبة. ويَحتَمِلُ أنه أرادَ بالذَّكاةِ الطهارةَ، فعلى هذَين التأويلَين يكون اللَّفْظُ عامًّا في كلِّ جِلْدٍ، فيَتَناولُ ما اختَلَفْنا فيه، ويَدُلُّ على التَّأويلِ الذي ذكرْنا، أنه لو أرادَ بالذَّكاةِ الذَّبْحَ لأضافَه إلى الحيوانِ كلِّه، لا إلي الجِلْدِ.
فصل: فأمَّا جُلُودُ السِّباعِ، فقال القاضي: لا يجوزُ الانْتِفاعُ بها قبلَ الدِّباغِ ولا بعدَه. وبذلك قال الاوزاعِيُّ، وابنُ المُبارَكِ (٣)، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. ورُوىَ عن عُمَر وعلي، ﵄، كَراهَة

(١) لم يخرجه بهذا اللفظ إلا الإمام أحمد في: المسند ٣/ ٤٧٦، ٥/ ٦.
وأخرجه النسائي بنحوه، في: باب جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى ٧/ ١٥٣، ١٥٤.
(٢) رواه الترمذي، في: باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من أبواب اللباس، عارضة الأحوذي ٧/ ٢٣٢، ٢٣٣. والنسائي، في: باب جلود الميته، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى ٧/ ١٥٣. والدارمي، في: باب الاستمتاع بجلود الميتة، من كتاب الأضاحي. سنن الدارمي ٢/ ٨٥. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٢١٩، ٢٧٠، ٣٤٣.
(٣) أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي، الإمام الزاهد، جمع العلم والفقه والأدب، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة. الجواهر المضية ٢/ ٣٢٤ - ٣٢٦.

1 / 167