54

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

الناشر

دار الفكر العربي

الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٩٨ هجري

في الاستدلال للعقائد، وطريقة المحدثين والفقهاء، وكان طبيعياً ألا يلتقي هذان الفريقان اللذان يخدمان الدين الإسلامي، لاختلاف عقليتهما ومنطق تفكيرهما، فالفقهاء والمحدثون يتعرفون دينهم من الكتاب والسنة، وعلمهم العقلي فهم نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية، واستنباط الأحكام من عبارتهما أو إشارتهما، أو الاجتهاد بالرأي إن لم يكن نص، هذا أقصى ما يسيرون فيه، أما المعتزلة فيرون إثبات العقائد بالأقيسة العقلية وهم لذلك يستخدمون المنطق والبحوث الفلسفية.

ولقد كان مجرى الأمور توجب أن يكون كل فيما خصص فيه، هؤلاء لفهم نصوص الكتاب الكريم، والسنة النبوية، واستنباط قانون إسلامي منهما، أو تحت ظلهما، وأولئك لبيان العقيدة الإسلامية والذود عنها بالطرق التي تلزم الخصوم وتقطعهم، ويستعان في ذلك بكل ما يؤدي إلى الانتصار والفلج في النزال، ولكن بعض خلفاء بني العباس حاولوا أن يحملوا العلماء على بعض آراء المعتزلة في مسألة جوهرية هي ما تسمى في التاريخ الإسلامي بمسألة (خلق القرآن) (١) ، فقد حاول المأمون والمعتصم والواثق حمل الفقهاء والمحدثين على أن يقولوا مقالة المعتزلة في هذه المسألة. وأخذوهم فيها بالعنف والأذى لا بالرفق والهوادة، فكان المعتزلة بذلك هم الخصوم للفقهاء والمحدثين.

وإذا كان علم الكلام في عصر الشافعي قائماً على تعاليم المعتزلة وأساليبهم، فقد بغض الشافعي ذلك العلم واستنكر الاشتغال به. لأنه لا يفهم منه إلا الصورة التي رآها في المعتزلة، لذلك نستطيع أن نقول إن أثر المعتزلة في نفس الشافعي كان سبباً في حملته وإيجابياً من ناحية، ومن تأثره بهم.

(١) هذه المسألة شغلت العقل الإسلامي في عهد ثلاثة من خلفاء بني العباس: المأمون والمعتصم والواثق. وقوامها هل القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى؟ قال المعتزلة ذلك، لأن الله خلقه وأنزله على رسوله، وقال بعض المحدثين والفقهاء، القرآن: غير مخلوق، لأنه كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، وتوقف بعض الفقهاء والمحدثين. وقد نزل بالفريقين من الفقهاء والمحدثين أذى شديد (راجع مسألة القرآن في كتابنا تاريخ الجدل للمؤلف - الناشر دار الفكر العربي).

54