21

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

الناشر

دار الفكر العربي

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٣٩٨ هجري

شرخ الشباب، ويظهر أنه مع ملازمته لمالك كان يتحين الوقت بعد الآخر، فيقوم برحلات في البلاد الإسلامية يستفيد فيها ما يستفيده المسافر الأريب من علم بأحوال الناس وأخبارهم، وشئون اجتماعهم، وكان يذهب إلى مكة يزور أمه ويستنصح بنصائحها وكان فيها نبل وأدب وحسن فهم، فلم تكن ملازمته لمالك رضي الله عنه بمانعة من سفره واختباراته الشخصية.

١٤ - ولايته : ولما مات مالك رضي الله عنه، وأحس الشافعي أنه نال من العلم أشطراً. وكان إلى ذلك الوقت فقيراً، اتجهت نفسه إلى عمل يكتسب منه ما يدفع حاجته، ويمنع خصاصته، وصادف في ذلك الوقت أن قدم إلى الحجاز والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي، فأخذه ذلك الوالي معه، ويقول الشافعي في ذلك: ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به، فرهنت داراً، فتحملت معه، فلما قدمنا عملت له على عمل.

وفي هذا العمل تبدو مواهب الشافعي، واختباراته وذكاؤه وعلمه ونبل نسبه، فيشيع ذكره عادلاً ممتازاً، ويتحدث الناس باسمه في بطاح مكة، ويبلغ الفقهاء والمحدثين الذين تافى عنهم أو التقى بهم ذكره، فيختلفون، ومنهم من يلومه على دخوله في العمل، وينصح له بتركه.

تولى عملاً بنجران فأقام العدل ونشر لواءه، وكان الناس في نجران كما هم في كل عصر، وفي كل بلد، يصانعون الولاة والقضاة ويتملقونهم، ليجدوا عندهم سبيلاً إلى نفوسهم، ولكنهم وجدوا في الشافعي عدلاً لا سبيل إلى الاستيلاء على نفسه بالمصانعة والملق، ويقول هو في ذلك: وليت نجران وبها بنو الحارث ابن عبد المدان، وموالي ثقيف، وكان الوالي إذا أتاهم صانعوه فأرادوني على نحو ذلك فلم يجدوا عندي.

مد الشافعي إذن باب المصانعة والملق لكيلا يصل إلى نفسه أحد وهو

21