264

الشاذ والمنكر وزيادة الثقة - موازنة بين المتقدمين والمتأخرين

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

ثم أقول: لو صحَّ فرضًا عندنا مثال أو مثالان، فإن ذلك لا يعني أنَّه يقبل الزيادة وإنما هو من باب انتقاء تلك الأحاديث انتقاءًا، ولا ندري لماذا، وما هي قواعده؟ لأنه لم يصرح بها أصلًا يقول الإمام البخاري: "لو نُشِرَ بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ ولا عرفوه، ثم قال: صنفته ثلاث مرات" (١) فما بالك بالصحيح .
ومثل هذا لا يمكن أن يقف أمام الكم الهائل من الأحاديث والزيادات التي وقعت من ثقات حفّاظ ولكن البخاري لم يقبلها ولم يدونها في صحيحه، بل آثر الرواية المنقطعة والمرسلة عليها!!
يقول الحافظ ابن حجر: " إن البخاري ليس له عمل مطرد في قبول الزيادة أو ردّها بل يصوّب الإرسال أحيانًا لقرينة تظهر له، ويصوّب الاتصال أحيانًا أخرى حسب القرينة " (٢).
وقال ابن القيم: "وأما تصحيحه حديث يحيى بن أبي سليم في غير هذا فلا إنكار عليه فيه، فهذه طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله يصححون حديث الرجل ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات، ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره، وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس، طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات ولم يكن معلولًا ويتركون من حديثه المعلول وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به فإن لهم في هذا نظرًا واعتبارًا اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا أن يكون صحيحًا، ولهذا كثيرًا ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة بأنه لا يتابع عليه. والطائفة الثانية يرون الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه وضعف من أجله فيجعلون هذا سببًا لتضعيف حديثه أين وجدوه فيضعفون

(١) تاريخ بغداد للخطيب ٢/ ٣٢٥ - ٣٢٦،وقد تحرف هذا القول في المطبوع من فتح الباري فصار:"كيف صنفت البخاري" (هدي الساري ص٦٧٣).
(٢) النكت على ابن الصلاح ٢/ ٦٠٩.

1 / 271