الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

راغب السرجاني ت. غير معلوم
98

الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

تصانيف

العلم هذا بالنسبة لشرط الشجاعة، وأما بالنسبة لشرط العلم فكيف كان حال الصديق؟ الصديق ﵁ وأرضاه كان أعلم الصحابة. روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: (خطب رسول الله ﷺ الناس وقال: إن الله ﵎ خير عبدًا) والرسول ﷺ لم يحدد هذا العبد في الحديث، وقال: (خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله تعالى، فبكى أبو بكر وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا، يقول أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خير) يعني: لماذا أبو بكر يبكي؟ فالرسول ﵊ يقول: (إن عبدًا خير)، فلماذا يبكي، يقول أبو سعيد: (فكان رسول الله ﷺ هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا) فكان أبو بكر هو الوحيد الذي فهم أن الرسول ﷺ يقصد نفسه في هذا الحديث. وكان الصديق لعلمه الغزير يفتي في وجود الرسول ﷺ، يعني: يكون الرسول ﷺ موجودًا ويفتي الصديق في حضرته، وكانت هذه الخاصية له أساسًا وأحيانًا لـ عمر بن الخطاب ﵄ وليس لغيرهما، سئل عبد الله بن عمر ﵄: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله ﷺ؟ فقال: أبو بكر وعمر ﵄ وما أعلم غيرهما. وتعالوا بنا نرى القصة التي حدثت في زمن الرسول ﷺ، روى البخاري ﵀ عن أبي قتادة ﵁ وأرضاه قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلًا من المشركين وآخر من المشركين يختله، يعني: يريد أن يأخذه على غرة، حتى يقتله غدرًا، قال: فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها، ثم يكمل أبو قتادة الموقف فيقول: ثم أخذني -أي: هذا الرجل المشرك الذي قطعت يده- فضمني ضمًا شديدًا حتى تخوفت، ويبدو أنه كان رجلًا شديدًا وقويًا، قال: فضمني ضمًا شديدًا حتى تخوفت، يعني: خفت على نفسي أن أموت، قال: ثم ترك ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم. وطبعًا هذا كان في أول يوم حنين، قال: فإذا بـ عمر بن الخطاب في الناس ﵁ فقلت له: ما شأن الناس؟ ما الذي حدث؟ لماذا يهربون؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله ﷺ، ثم انتصروا، يعني: انتصر المسلمون وهزم المشركون، قال: وبعد الموقعة قال رسول الله ﷺ: (من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه) يعني: من يأتي بشاهد على أنه قتل قتيلًا يأخذ هذا السلب الذي للقتيل، قال: فقمت لألتمس بينة قتيلي فلم أر أحدًا يشهد لي، فجلست، يعني: لم أتكلم، قال: ثم بدا لي، يعني: قلت: وما المانع أن أتكلم، قال: فذكرت أمره لرسول الله ﷺ، فقال رجل من جلسائه: صدق، يعني: أنا شاهد على هذا الأمر، وسلبه عندي، فأرضه مني، يعني: هناك رجل آخر من المسلمين اعترف أن السلب معه، لكنه يريد أن يأخذه أو يرضيه أبو قتادة بشيء، يعني: السلب هذا عندما أعيده لك تدفع لي أي شيء. وهنا قام الصديق ﵁ وأرضاه، وطبعًا لم يطلب أحد منه الكلام، لكنه قام، وكل هذا الكلام أمام الرسول ﷺ، فهنا قام الصديق ﵁ وأرضاه وقال في حمية: كلا لا يعطيه أضيبع من قريش -يعني: طائرًا ضعيفًا- ويدع أسدًا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله ﷺ، يعني: يستنكر الصديق ﵁ وأرضاه أن يأخذ الرجل من السلب شيئًا وإن كان معه ولكن يعطى لـ أبي قتادة كاملًا، فقال النبي ﷺ: (صدق فأعطه). فصدق رسول الله ﷺ على فتوى الصديق ﵁ وأرضاه وهو في حضرته. قال ابن تيمية ﵀ في الفتاوى: إن أهل السنة اتفقوا على أن أبا بكر أعلم الأمة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد. فلماذا هذا العلم الغزير عند الصديق ﵁ وأرضاه؟ لعل سبب هذا العلم الغزير وتفوقه على الصحابة هو ملازمته للنبي ﷺ أكثر من غيره، فقد كان يجتمع به ليلًا ونهارًا وسفرًا وحضرًا وما أكثر الأحاديث التي ذكر فيها أن رسول الله ﷺ خرج هو وأبو بكر، أو دخل هو وأبو بكر، أو جلس هو وأبو بكر هكذا. وأيضًا هناك أدلة أخرى كثيرة ع

9 / 8