164

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

وليست هذه الندرة في الجمع بين هذين الجانبين في تاريخ العلماء لقصور الوقت فحسب عن الالمام بأطراف الثقافات الانسانية، والتعمق في حقل الاختصاص فحسب، وإنما لشيء آخر أيضا لا يقل أهمية عن سابقته فالذهنية التي تمارس الالمام والاحاطة تختلف عن الذهنية التي تمارس الدقة والملاحظة، وقلما يتفق أن تجتمع هاتان الخاصتان في ذهن واحد. ومنذ أول يوم حاول (الشهيد) أن يجمع بين هذين الجانبين في نشأته الفكرية. وقد وجدنا فيما تقدم من حديث عن نشأته الفكرية أنه مارس الدراسة منذ بداية حياته الدراسية في مختلف حقول المعرقة، وألم بمختلف المذاهب الاسلامية

فكان يقصد (دمشق ومصر)، وهما يومذاك حاضرتا العالم الاسلامي وجامعتا الدراسات الاسلامية الكبرى. وكان يلم فيهما بمختلف الحلقات، ويجلس إلى مختلف الشيوخ وينصت إليهم بعناية، وبذلك استطاع أن يحيط إحاطة واسعة بمختلف (المذاهب الاسلامية) في الفقه والحديث والتفسير، وبمختلف ألوان ثقافة عصره.

وكانت هذه القابلية الفذة تبعث في نفسه اعتدادا بالنفس، فلما حاول أن يسافر إلى (القسطنطينية) ليلتقي ببعض المسؤولين الكبار هناك ويطلب التدريس في بعض المدارس عرض عليه أن يأخذ تعريفا من قاضي جهته.

فقد كان المتعارف عند الاتراك أن يصحب المراجع معه إلى العاصمة تعريفا به عن قاضي جهته.

فأبى الشهيد أن يجيب هذا الطلب، وبطلب من القاضي تعريفا به.

صفحة ١٨١