والتوجيه والارشاد وادارة شؤون القطر الديني، وبنى فيها مسجدا كما قام بغيره من المشاريع العامة.
اجتهاده
وأخذ (الشهيد) في هذا الوقت سنة 944 يلمس من نفسه القدرة على الاجتهاد والاستنباط، إلا أنه لم يظهر ذلك حتى عام 948، حيث شاع ذلك عنه ورجع الناس اليه في التقليد.
قال ابن العودي: " أخبرني قدس الله نفسه - وكان في منزلي بجزين متخفيا من الاعداء ليلة الاثنين 11 صفر سنه 956 - أن ابتداء أمره في الاجتهاد كان سنة 944، وأن ظهور اجتهاده وانتشاره كان في سنة 948 فيكون عمره لما اجتهد 33 سنة ". وشرع الشهيد في هذا الوقت (بشرح الارشاد)، إلا أنه لم يكن يطلع أحدا على ذلك حتى على تلميذه الملازم له ابن العودي.
يقول ابن العودي وشرع في شرح الارشاد ولم يبده لاحد، وكتب منه قطعة ولم يره احد، فرأيت في منامي ذات ليلة أن (الشيخ) على منبر عال وهو يخطب خطبة ما سمعت مثلها في البلاغة والفصاحة فقصصت عليه الرؤيا، فدخل إلى البيت وخرج وبيده جزء فناولني اياه، فنظرته فاذا هو (شرح الارشاد) قد اشتمل على خطبته المعروفة التي اخذت بمجامع الفصاحة والبلاغة.
وكذلك استمر الشهيد في (جبع) يزاول مهامه في التدريس والكتابة والتوجيه والارشاد والتأمل حتى حيث بدا له أن يزور العتبات المقدسة فقصد العراق.
ثقافته ومشائخه
كان (الشهيد) (رحمه الله) كثير الاتصال بشيوخ عصره من الفقهاء والاصوليين والمتكلمين والفلاسفة والرياضيين والادباء، وكان كثير الرغبة في الاطلاع، فكان يتبع الشيوخ والعلماء، وهو بعد لم يتجاوز حدود المراهقة - من قطر إلى قطر، ومن بلا إلى بلد. ومع ما كان يتصف (الشهيد) في دور الدراسة من التعمق، ودقة النظر والملاحظة، كان موسوعيا في دراسته، استوعب كثيرا من فنون الثقافة في وقته، واتصل بكثير من الحركات العلمية المعاصرة له، واندمج بها ذهنيا، وخالط العلماء، وحضر حلقات الدراسة، ومجالس العلماء في اكثر حقول المعرفة والعلم من ثقافة عصره.
فكان يحضر في وقت واحد دراسة الفلسفة والفقه، والادب والتفسير والقراءة والطب، والرياضيات، وغيرها. وكان لهذه التوسعة في الدراسة والشمولية أثر كبير في تنمية ذهنية (الشهيد)، وتوسعته في دور التلمذة. ومن خلال (آثار الشهيد) ودراساته يلمح الباحث هذا الشمول والسعة في ثقافة الشهيد بصورة واضحة.
وفيما يلي نعرض على القارئ صورة سريعة عن ثقافة الشهيد ومشائخه العلوم الادبية: ونعني بالعلوم الادبية عادة: اللغة، والنحو، والصرف والبلاغة والشعر.
صفحة ١٧٥