100

القصص القرآني - ياسر برهامي

تصانيف

التعاون بين رءوس الطواغيت
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
من فوائد حديث قصة أصحاب الأخدود كما وردت في صحيح الإمام مسلم ﵀ من حديث صهيب ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر)، أننا نرى هنا التعاون بين رءوس الطواغيت، التي تعمل في النهاية لحساب الشيطان من أجل نشر الفساد في الأرض، ومن رءوس الطواغيت كذلك الملك الذي كان يدعي الربوبية صراحة، ومثله من يدعيها ضمنًا، بأن يرغم الناس بما يراه هو من شرع دون رجوع لشرع الله ﷿، فهذا نوع من رءوس الطواغيت الموجودة؛ لأنه يدعي لنفسه صفة وحقًا من حقوق الله ﷾، فالله ﷿ هو الحكم، والله ﷾ له حق التشريع وحده لا شريك له، قال ﷿: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:٢١].
فالذي يدعي أن له أن يشرع للناس ما يراه هو عدلًا من غير رجوع إلى شرع الله، فهو قد تجاوز الحد، ونسب لنفسه ما هو من صفات الرب ﷿، وما هو من حقوقه ﷿، فبالتالي هو من رءوس الطواغيت، وربما زاد بعضهم حتى يصل إلى ما وصل إليه الملك صاحب القصة، كما كان عليه حال فرعون حيث قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:٣٨]، وحال النمرود الذي قال: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة:٢٥٨]، وغيرهم، ومع ذلك فكثير من الناس يستجيب لهم، رغم وضوح بطلان هذه الدعوة الباطلة التي ادعوها لأنفسهم.
والساحر الذي يدعي ملك الضر والنفع وتقريب القلوب، ويدعي تغيير الخلق، بأنه يغير الخلق هذا إلى شيء آخر، ويجعل هذا يحب هذا، أو يبغض هذا؛ فهذا أيضًا طاغوت من الطواغيت، جاوز الحد حين نسب لنفسه صفة من صفات الرب ﷾، الذي يجب أن نصرف كل العبادات له ﷿، ومن ذلك أن نلجأ إليه ونصمد إليه في جلب المنافع ودفع المضار، وقد قال النبي ﷺ: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر).
وقد ثبت قتل الساحر عن ثلاثة من الصحابة ﵃، واختلف العلماء في كفر الساحر، فمنهم من أطلق تكفيره، وإن كان أصحاب هؤلاء الأئمة قد ذكروا التفصيل، ومنهم من بين -كالإمام الشافعي ﵀ فقال: يقال للساحر: صف لنا سحرك، فإن كان يتضمن كفرًا كفر، كمن يتقرب إلى الكواكب السبعة أو الشياطين، أو يتضمن كفرًا بوجه من الوجوه، كمن يذبح للشياطين والأصنام، أو كمن يسجد لها، أو كمن يستهزئ بالمصحف، ونحو ذلك ممن يرتكب شركًا أكبر لتحقق له الشياطين ما يريد، فهذا النوع من السحر كفر بلا نزاع، وإذا كان سحره بغير ذلك قال الشافعي: فإن استحله كفر.
والصحيح أن السحر المتعلم من الشياطين ومن هاروت وماروت كفر؛ لقوله ﵎: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة:١٠٢]؛ لأنه لا يتمكن من هذا النوع من السحر المتعلم من الشياطين إلا بتقديم القربات لهم، وتركه الإيمان بالكلية، وأما السحر الذي هو بأدوية وتدخين وخداع بالبصر، فهذا الصحيح فيه أنه لا يكفر فاعله إلا أن يستحله.

6 / 3