القواعد النورانية الفقهية
محقق
د أحمد بن محمد الخليل
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٢ هجري
تصانيف
القواعد الفقهية
وَجَبَ دَوَامُ أَفْعَالِهَا فَذَلِكَ هُوَ نَفْسُ الطُّمَأْنِينَةِ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إِدَامَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُجْزِئُ أَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْخَفْضِ - وَهُوَ نَقْرُ الْغُرَابِ - لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَوَامًا، وَلَمْ يَجِبِ الدَّوَامُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُمَا أَصْلُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.
فَعُلِمَ أَنَّهُ كَمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ يَجِبُ الدَّوَامُ عَلَيْهَا الْمُتَضَمِّنُ لِلطُّمَأْنِينَةِ وَالسَّكِينَةِ فِي أَفْعَالِهَا.
وَأَيْضًا: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٥] [الْبَقَرَةِ] .
وَهَذَا يَقْتَضِي ذَمَّ غَيْرِ الْخَاشِعِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٣] [الْبَقَرَةِ: ١٤٣]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣] [الشُّورَى: ١٣] .
فَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ ﷿ عَلَى مَنْ كَبُرَ عَلَيْهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، [فَأَنَّهُ] مَذْمُومٌ بِذَلِكَ فِي الدِّينِ مَسْخُوطٌ مِنْهُ ذَلِكَ، وَالذَّمُّ أَوِ السُّخْطُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ، وَإِذَا كَانَ غَيْرُ الْخَاشِعِينَ مَذْمُومِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْخُشُوعِ.
فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخُشُوعَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٥] لَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْخُشُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَفَسَدَ الْمَعْنَى؛ إِذْ لَوْ قِيلَ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى مَنْ خَشَعَ خَارِجَهَا وَلَمْ يَخْشَعْ فِيهَا كَانَ
1 / 73