القواعد النورانية الفقهية
محقق
د أحمد بن محمد الخليل
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٢ هجري
تصانيف
القواعد الفقهية
وَالْمَوْقُوتُ قَدْ فَسَّرَهُ السَّلَفُ بِالْمَفْرُوضِ وَفَسَّرُوهُ بِمَا لَهُ وَقْتٌ، وَالْمَفْرُوضُ هُوَ الْمُقَدَّرُ الْمُحَدَّدُ؛ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ وَالتَّقْدِيرَ وَالتَّحْدِيدَ وَالْفَرْضَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ مُقَدَّرَةٌ مُحَدَّدَةٌ مَفْرُوضَةٌ مَوْقُوتَةٌ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِهَا وَأَفْعَالِهَا، وَكَمَا أَنَّ زَمَانَهَا مَحْدُودٌ، فَأَفْعَالُهَا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَحْدُودَةٌ مَوْقُوتَةٌ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ تَقْدِيرَ عَدَدِهَا بِأَنْ جَعَلَهُ خَمْسًا، وَجَعَلَ بَعْضَهَا أَرْبَعًا فِي الْحَضَرِ وَاثْنَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا، وَبَعْضَهَا اثْنَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَتَقْدِيرُ عَمَلِهَا أَيْضًا؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعُذْرِ الْجَمْعُ الْمُتَضَمِّنُ لِنَوْعٍ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الزَّمَانِ، كَمَا يَجُوزُ أَيْضًا الْقَصْرُ مِنْ عَدَدِهَا وَمِنْ صِفَتِهَا بِحَسَبِ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَذَلِكَ أَيْضًا مُقَدَّرٌ عِنْدَ الْعُذْرِ كَمَا هُوَ مُقَدَّرٌ عِنْدَ غَيْرِ الْعُذْرِ؛ وَلِهَذَا فَلَيْسَ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ أَوْ صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَى النَّهَارِ، وَصَلَاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَصَلَاتَيِ اللَّيْلِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ الَّذِينَ يُنْقِصُونَ مِنْ عَدَدِهَا وَصِفَتِهَا، وَهُوَ مَوْقُوتٌ مَحْدُودٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ مَحْدُودَةَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، فَالْقِيَامُ مَحْدُودٌ بِالِانْتِصَابِ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْمُنْتَصِبِ إِلَى حَدِّ الْمُنْحَنِي الرَّاكِعِ بِاخْتِيَارِهِ، لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى بِحَدِّ الْقِيَامِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ - الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَةُ - أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَكِنْ نَفْسُ عَمَلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْقِيَامِ؛ وَلِهَذَا كَانَ عِبَادَةً بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي شَرْعِنَا إِلَّا لِلَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُقَدَّرَةٌ مَحْدُودَةٌ
1 / 65