النظريات الفقهية
الناشر
دار القلم والدار الشامية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٤ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
فالعادة أمر متكرر، إما في حياة الفرد الذي يكون له عادات معينة، وإما في حياة الجماعة بالسلوك العام والعادات الشائعة.
والعادات تختلف عن الأسباب والمسببات، فإن العادة تتكرر بدافع نفسي، وتعتمد على الميول والعواطف وما يألفه الإنسان، وما تتقبله النفوس، أما العلاقات بين السبب والمسبب فإنها علاقة عقلية لا تتغير ولا تتبدل، ولا تختلف من فرد لآخر، ولا من زمن إلى غيره.
ولذلك يقول ابن عابدين: العادة مأخوذة من المعاودة، فهي بتكررها ومعاودتها مرة بعد مرة أصبحت حقيقة معروفة مستقرة في النفوس والعقول، وأصبحت العادة حقيقة بين الناس، وتسمى عادة وتعاملاً(١).
وهذه العادة المتكررة إن ضمن لها الانتشار والشيوع، لتشمل الأكثرية المطلقة من الناس، بحيث يعرفها كل إنسان تقريباً انقلبت إلى عرف، ولذلك عرّف الأستاذ الزرقا العرف بأنه:
((عادة جمهور قوم في قول أو فعل))(٢).
فلا يتحقق العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان شائعاً منتشراً بين الناس، بأن يطرد العمل به في المكان والزمان الذي يجري فيه غالباً، بحيث يكون معظم الناس يعرفه ويدركه ويلاحظه ويقدره في حياته، كالتعارف على قول يطلقه الناس على معنى خاص معين، بحيث لا يتبادر إلى الذهن عند سماعه إلا هذا المعنى، وليس معناه الحقيقي، وكذا إذا شاع فعل معين بين الناس، وكان هذا الفعل له دلالة خاصة تعرف منه، وتتجه النيات نحوه.
والأصل أن العرف والعادة بمعنى واحد في اللغة؛ لأن العادة مأخوذة من المعاودة، فهي بتكررها ومعاودتها مرة بعد مرة أصبحت معروفة مستقرة في النفوس والعقول، والعرف لغة بمعنى المعرفة، ثم استعمل بمعنى الشيء المستحسن، والمعروف ضد المنكر، ولكن العلماء في الفقه والأصول قيدوا
(١) رسائل ابن عابدين ١١٤/٢.
(٢) المدخل الفقهي العام، له ٨٣٨/٢.
166