وكم من الضلالات والبدع، التي أطلت علينا برأسها وعظم خطرها، وانتشر شرها، من جراء اجتماعات سرية، وتحزبات بدعية، قام بها فئام من الناس، يزعمون - زورًا وكذبًا - أنها من الحق الذي جاءت به الشريعة ويستدلون على ذلك بدعوة النبي ﷺ السرية في مكة في أول دعوته وبدو أمرها، وتلك شبهة ظاهر عراها، وبين بطلانها، إذ النبي ﷺ أُمر بالصدع وترك السر ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: ٩٤] .
فصدع النبي ﷺ بالدعوة في مكة بين المشركين، وأصابه ما أصابه من الأذى فصبر واحتسب، وصبر أصحابه معه على ما أصابهم من الأذى، فهذا الأمر الواضح بالصدع والجهر بالدعوة فيه النهي عن السرية بل قد ثبت عنه ابن أبي عاصم في "السنة" (٢ / ٥٠٨) بسندٍ جيد عن ابن عمر ﵄ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله، ولا تُشرك به شيئًا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصُمْ رمضان، وحُجَّ البيت واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية وإيّاك والسِّر» .