المختصر من أخبار فاطمة بنت سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم
الناشر
دار الآل والصحب الوقفية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤٢ هـ
تصانيف
[المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِيْنَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصحَابِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيْم
أما بعد
فإنَّ اللَّهَ ﵎ مَنَّ عليَّ بتأليف مَعْلَمةٍ = مَوسوعَةٍ شامِلَةٍ عن فاطمة ﵂، أسميتُها: «فاطمة بنت النبي ﷺ، سيرتها، فضائلها، مسندها ﵂ - دراسة حديثية تاريخية موضوعية ـ» (^١) ــ ولِلَّهِ الحمْدُ والفَضْلُ والمِنَّةُ ــ، حاولتُ الإحاطة بكل ما يتعلق بها: حديثيًا، وعقديًا، ونَسَبِيًا، وتاريخيًا، وجغرافيًا، وأدبيًا، ومعارف أخرى، قصدتُ أن تكون مرجعًا مُغنيًا للباحثين، وليست للقراءة التامة من أولها إلى آخرها.
الموسوعة في سبعة مجلدات، تَضمَّنَتْ (٧٥٥) حديثًَا بدراسَةٍ عِلمِيَّة مفصَّلة.
جاءت في مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وملحق، وخاتمة، وفهارس.
استغرق المجلد الأول كاملًا المقدمةَ والتمهيدَ.
بيَّنتُ في التمهيد ما يتعلق بآل البيت، والكتبِ المؤلفة فيهم، وفي فاطمة، مع ترجمتها، وموقف بعض الفِرَق منها، وبعضِ المسائل المنهجية
(^١) صدرت عن «دار الآل والصحب الوقفية» في الرياض، في شهر ذي الحجة (١٤٤٠ هـ).
1 / 7
في تناول أسانيد التاريخ.
تضَمَّنَ البابُ الأول: الأحاديثَ المروية في سيرة فاطمة ﵂، في خمسة فصول، تحت كل فصل عدة مباحث في حالها مع والدها ﷺ، ومع زوجها، وابنيها الحسن والحسين ﵄، وما يتعلق بوفاتها ﵂.
وتضَمَّنَ البابُ الثاني: الأحاديثَ المروية في فضائلها، في خمسة فصول، تحت كل فصل عدة مباحث، في منزلتها عند أبيها ﷺ، ومنزلة أبيها عندها ﵂، ومنزلتها عند الشيخين أبي بكر وعمر ﵄، ومنزلتها في العلم والعبادة وما فُضِّلَت به ﵂.
وتضَمَّنَ البابُ الثالث: مسندَها، أي الأحاديث التي روتْها عن أبيها ﷺ، مع دراستها وتخريجها بتوسُّع.
وفي الخاتمة: أهم نتائج الموسوعة، ثم أوردتُ فهارس متنوعة تفصيلية.
أعتبر هذه الموسوعة = المعلَمة أوسعَ كتابٍ أُلِّف عن امرأة، فإني لا أعلمُ قبله كتابًا كبيرًا في سيرة امرأة أكبر من مجلدين حقِيقَين - وللَّهِ الحمدُ والفضلُ والمِنَّة ـ.
وقد أعلنتُ في خاتمة الموسوعة عن هذا المختصر، الذي أقتصرُ فيه على المقبول، دون الإحالات والنقول، وربما أذكر يسيرًَا من المردود مع
1 / 8
بيانه، فهو مُختصرٌ لا يُغني طلبةَ العلم والباحثين عن الموسوعة، وفيه زياداتٌ عليها يسيرة، وتصحيحات.
هذا وقد انتظم المختصر في المعالم التالية:
١. عقيدة أهل السنة والجماعة بآل البيت، والعناية بهم ﵈ و﵃.
٢. عناية أهل السنة والجماعة بفاطمة ﵍، ومحبة المسلمين لها ﵂، ولطائف في موضع ترجمتها وأبواب مناقبها ومسندها.
٣. اسمُها ﵍ وسبب التسمية.
٤. نَسبُها ﵂.
٥. كُنيَتُها ﵍.
٦. لقَبُها ﵂.
٧. العائلة: شَيءٌ من فضائلهم، وترتيبُ فاطمةَ بين إخوانها وأخواتها ﵃.
٨. مَولِدُها ﵂.
٩. نَشأتُها ﵍.
١٠. هِجرَتُها ﵂.
١١. زَواجُها، وحالُها مع زوجِها ﵄.
1 / 9
١٢. أولادُها ﵍.
١٣. عقِبُها ﵂.
١٤. بَيتُها ﵂.
١٥. صفَتُها وشمائلُها ﵍.
١٦. حالُها مع والِدِها النبي ﷺ: بِرُّها به، بِرُّها بوالدتها، نفقةُ النبيِّ ﷺ عليها، وقيامُه عليها بالعدل، ومحبَّتُه لها واحتفاؤه بها، الزيارة بينهما، وغيرتُه عليها، وحِفظُها لسرِّهِ، وتعليمُه إياها.
١٧. مِن مناقبِها وخَصائِصها ﵂.
١٨. عِلْمُها، ومُسنَدُها ﵍.
١٩. علاقتها بأزواج النبي ﷺ، وحثُّ النبي ﷺ إياها على حُبِّ عائشة ﵃.
٢٠. مَوقِفُها من طلبِ أبي سفيان الشفاعة ﵄.
٢١. مَوقِفُها مع أبي لبابة، وهل حلَّتْ عِقَالَه ﵄؟
٢٢. طلبُها الميراثَ من أبي بكر، وعلاقتها بالشيخين ﵃.
٢٣. هل لها مَوقفٌ من بَيعَةِ أبي بكر ﵄؟
٢٤. حُزنُها ﵂ على وفاة أبيها ﷺ.
٢٥. وَصيَّتُها ﵍.
1 / 10
٢٦. وفَاتُها: متى تُوفِّيَت؟ ومَن غسَّلها وصَلَّى عليها ﵂؟
٢٧. قبرُها ﵂.
٢٨. منظومتان لترجمة فاطمة ﵍.
أسألُ اللَّهَ ﵎ أن يُبارِك بالمَوسُوعةِ الأصل وهذا المختصر، وأن يَنفعْ بهما الإسلامَ والمُسلِمين.
كتبه:
إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن المديهش
مدينة الرياض
(٣ /رمضان ٩/ ١٤٤١ هـ)
للتواصل: ibrahim.almdehesh@gmail.com
1 / 11
[١] عقيدة أهل السنة والجماعة بآل البيت، والعناية بهم
آلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هُمْ: مَن تحرُم عليهم الصدقةُ، وهُمْ على الصحيح: أزواجُه، وذرِّيتُه، وأقاربُه المسلمون من بني هاشم بن عبد مناف. وقيل: وبَنِي المطلب بن عبد مناف أيضًا.
وقد دلَّ على فَضْلِهِم: الكتابُ، والسُّنَّةُ، وإجماعُ سلَفِ الأمَّةِ.
قال اللَّهُ ﵎ عن أُمَّهَاتِ المؤمنين:
﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (٣١) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٣٣) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ (سورة الأحزاب، آية ٣١، ٣٤).
فالآية في أمهات المؤمنين، ويدخل ضمن آية التطهير أيضًا ذرية النبي ﷺ؛ لأنه تلاها في حديث الكساء الآتي.
عن عائشة ﵂: خرج النبي ﷺ غداةً، وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل، من شَعْرٍ أسود، فجاء الحسَنُ بنُ علي فأدخلَه، ثم جاءَ الحُسَين
1 / 13
فدخل معه، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلَها، ثم جاء عليُّ فأدخلَهُ، ثمَّ قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
أخرجه: مسلم.
وعن زيد بن أرقم ﵁ قال: قام رسول اللهِ ﷺ يومًا فينا خطيبًا، بماء يُدعى «خُمًَّا» بين مكة والمدينة، فحمدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ووعظ وذَكَّر، ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أن يأتي رسولُ ربي فأُجِيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقَلَين: أولهما كتابُ الله فيه الهُدَى والنور، فخذوا بكتاب اللَّهِ، واستمسكوا به»، فحثَّ على كتَابِ اللَّهِ ورغَّبَ فيه، ثم قال: «وأهلُ بَيتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهلِ بَيتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهل بيتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهل بيتي». الحديث.
أخرجه: مسلم.
قوله: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهل بيتي» أي: (اذكُرُوا اللهَ، اذكُرُوا خَوفَهُ وانتقَامَه إنْ أضعَتُم حقَّ آل البيت، واذكُروا رحمتَه وثوابَه إنْ قُمْتُمْ في حقِّهِم). قاله ابن عثيمين، وقال أيضًا: (اعرفوا لهم حقَّهم، ولا تظلموهم، ولا تعتدوا عليهم، هذا من باب التوكيد، وإلا فكُلُّ إنسانٍ مُؤمِنٍ له حقٌّ على أخيه، لا يحقُّ له أن يعتدِيَ عليه، ولا أنْ يَظلِمَهُ؛ لكِنْ لآلِ النبيِّ ﷺ حَقٌّ زَائِدٌ على حُقُوقِ غَيرِهِمْ مِن المسلمين).
1 / 14
قال صديق خان: (فالمراد بالتذكير فيهم: حِفظُ رُتبَتهم في الإسلام، وتعظيمُهم، وحبُّهم في الدِّين، وصَونُ عظيمِ عِزِّهم في الأمة، وتقدِيمُهم على غيرِهم في: المجلس، والكلامِ، والخطابِ، والمشيِ، والقعودِ، والقيامِ؛ وبذلُ الأموال لهم، ونُصرَتُهم في مقابل أعدائهم، والتمسُّكُ بهم إنْ كانوا أهلَ العِلْمِ والتقوى).
فالحديث بمجموع رواياته (تضمَّن الحثَّ على المودَّةِ لهم، والإحسانِ إليهم، والمحافظةِ بهم، واحترامِهم، وإكرامِهم، وتأدِيَةِ حُقُوقِهِم الواجبة والمستحبَّة، فإنهم مِن ذُرِّيَّةٍ طَاهِرَةٍ، مِن أشرَفِ مَن وُجِد على وَجْهِ الأرضِ، فَخْرًَا وحَسَبًَا ونَسَبًَا، ولا سِيَّما إذا كانُوا متَّبعِينَ للسُّنَّة النبويَّةِ الصَحِيحَةِ الواضِحَةِ الجَلِيَّة، كما كَانَ علَيهِ سَلَفُهُم كالعبَّاسِ وبَنِيه، وعَليٍّ وآلِ بَيتِه وذَوِيْهِ ﵃. ذكره السخاوي وبنحوه عند ابن كثير، زاد السخاوي: وكذا يَتضمَنُ تَقدِيمَ المتأهِّلِ مِنهُم لِلْوِلايَاتِ عَلى غَيرِهِ.).
هذا، وقَد اتَّبَعَ سلَفُ الأمة بدءًا من أبي بكر وعمر وعثمان وبقية الصحب الكرام ﵃ وصيةَ النبيِّ ﷺ بالعنايةِ والرِّعايةِ لآلِ البيتِ ﵃.
فهذا خليفةُ رسُولِ اللهِ، الصِّدِّيقُ أبو بكر ﵁ يقول: «ارْقُبُوا محمَّدًَا ﷺ في أهلِ بَيْتِهِ».
أي: احفظُوه فيهم، فلا تُؤذُوهُمْ، ولا تُسِيؤوا إليهِم.
1 / 15
ويقول أبو بكر ﵁: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي».
ثم خليفةُ خليفةِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ: الفاروقُ عُمرُ بنُ الخطاب ﵁ اعتنى بآل البيت عنايةً فائقة، من ذلك: أنه بدأ بهم لمَّا وضَعَ الديوانَ للعطاء؛ مَحبَّةً لهم، واحترامًا وتقديرًا ومعرفةً بمكانتهم، وامتثالًا لأمْرِ النَّبِيِّ ﷺ برعايتهم.
وهكذا السلَفُ الصالحُ جيلًا بعد جيل، إلى زماننا هذا ــ ولله الحمدُ والمِنَّةُ على الهدايةِ والسُّنَّةِ ــ.
قال الشيخ: ابن سِعدي: (فمَحبَّةُ أهلِ بيتِ النبيِّ ﷺ وَاجِبةٌ من وُجُوهٍ، منها:
أولًا: لإسلامهم، وفضلهم وسوابقهم.
ومنها: لما تميَّزوا به من قُرْبِ النبي ﷺ واتصالهم بنسبه.
ومنها: لما حثَّ عليه ورَغَّب فيه.
ولما في ذلك من علامة محبة الرسول ﷺ).
قال محمد الحضرمي «بَحرَق»: (وإذا كانَتْ أبناءُ الرَّجُلِ الرئيس، بَلْ وعشيرَتُه، بَلْ وغِلْمَانُهُ وأتبَاعُهُ، بَلْ وقَبيلَتُهُ، بَلْ وأهلُ بَلَدِهِ، بَلْ وأهْلُ قُطْرِه، بَلْ وأهلُ عصرِهِ، قَدْ يَسُودُون بسيادتِه، ويشرُفونَ بِشَرَفِ رئاسَتِهِ، ويفتَخِرُونَ عَلى مَن سِوَاهُم بفَضلِهِ، ويعلُونَ بِعُلُوِّ مَنصِبِهِ ونُبْلِه، فهَل أحَدٌ أجَلُّ قَدرًَا، وأعظمُ مَرتَبَةً وفَخْرًَا ممن ينْتَسِبُ أهلُ البيتِ إليه؟ !
1 / 16
إلى أن قال: وقد كانت قلوبُ السلَفِ الأخيارِ، والعلماءِ الأحبَارِ، مجبولةً على حُبِّهِم واحتِرامِهِم، ومَعرِفَةِ ما يجِبُ لهم طبعًا، فمِصْدَاقُ ذلك تعظيمُ وحُبُّ كلِّ مَن يُنسَبُ إليه بقُربةٍ أو قَرَابَةِ أو صُحْبَةٍ، أو اتِّبَاعِ سُنَّةٍ؛ إذْ كُلُّ ما يُنسَبُ إلى المحبوبِ مَحبُوبٌ).
إنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ لَيرَونَ الحقَّ لآل البيت: حَقَّ الإيمان، والصُّحْبَةِ، وحَقَّ القَرَابَة والسَّبْقِ لِلْخَيرِ، ويُنزِلُونَهُم مَنزِلَتَهُم الحقيقية الشَّرعِيَّة.
يُحبُّونَهُمْ جميعًا، ويُوقِّرُونَهُم كلَّهم دُونَ إفرَاطٍ ولَا تَفرِيطٍ، فَهُمْ في هذا البابِ: «آل البيت» وَسَطٌ بين الفِرَقِ الضَّالة، بين طرفَين ضالَّين: غَالِينَ وجَافِينَ، بين مُفْرِطِينَ ومُفَرِّطِينَ:
١. الخوارج، والنواصب الذين كفَّروا أو فسَّقوا آلَ البَيْتِ ﵈ و﵃، وناصبُوهم العَدَاء.
٢. الإمامية الذين غَلَوا في محبَّتِهِم لآلِ البيت، حتى اعتقَدُوا فيهم عِلْمَهُمْ الغَيْبَ! وعِصمَتَهُم من الخطأ! وسُؤالَهم مِن دُونِ اللَّهِ ﷾، وغَيْرَ ذلِكَ كَثِيرٌ.
1 / 17
من عناية أهل السنة والجماعة بآل البيت:
تنوَّعت عناية المحدِّثين بمرويات وفضائل آل البيت، فمنهم مَن:
١. أفردَ فيهم كتابًا مستقلًا، في آل البيت عامة، أو في أزواج النبي ﷺ، أو في ذريته، أو في بني هاشم.
٢. ومنهم من ضمَّن كتابَه أبوابًا خاصة فيهم، أورد فيها مروياتهم ــ مسندهم ــ أو المرويات فيهم.
فالخلاصة في هذا الموضوع:
١. آل البيت هم: أزواج النبي ﷺ، وأولاده، وبنو هاشم.
٢. الصحابة منهم، له ثلاثة حقوق: حق الإسلام، والصحبة، وآل البيت.
٣. أهل السنة والجماعة يُوجِبُون محبة آل البيت، ويرون أنها من محبة النبي ﷺ، ويتولَّونهم جميعًا، بخلاف الإمامية الذين يتوَلَّون بعض آل البيت، ويُكفِّرون ويُفسِّقُون آخرين، وكذا النواصب.
٤. يرون موالاتِهم ونصرتَهم، ونَشْرَ فضائلِهم، والدفاعَ عنهم، والذبَّ عن أعراضهم.
٥. يتبرأُ أهلُ السنة والجماعة من الجافين عن آل البيت، وهم: النواصب، والغالين وهم: الإمامية.
1 / 18
٦. يعتقد أهل السنة والجماعة أنَّ لآل البيت فضائل وخصائص وكرامة وشرفًا وسيادة، وليسوا بمعصومين كما تدَّعِيهِ الإمامية.
٧. يعرفون لهم الفضائل والحقوق الواجبة من خُمُس الخُمُس من الفيء والغنيمة، والصلاة عليهم تبعًا للصلاة على النبي ﷺ.
٨. يتولون أزواج النبي ﷺ ويترضون عنهن جميعًا، فهُنَّ أزواجه في الدنيا والآخرة، ومن آلِ بيتِ النبيِّ ﷺ على الصحيح.
٩. لا يُغالون في آل البيت، فلا يرفعونهم فوق قَدْرِهم المشروع، ولا يَدَّعون لهم العصمةَ، فهم بَشَرٌ يُصِيبُونَ ويُخطِئون، وفيهم البرُّ والفاجر، ويتولَّونَ كلًا منهم بحسب إيمانه وصلاحه واتِّبَاعه لسُنَّةِ النبي ﷺ، ولا يبخسونهم ما آتاهم اللَّهُ من فَضلِهِ.
١٠. تفضيلُ آلِ البيت تفضيلُ جملة، لا يعني فَضلُهم في جميع الأحوال، وعلى كُلِّ الأشخاص، فقد يُوجَد مِن غَيرِهم مَن هو أفضلُ منهم لاعتبَارَاتٍ أخرَى من الصلاح والتقوى والنفعِ للأمة.
العناية بآل البيت:
يسرُّني ما يسرُّها: أورد أبو الفرج الأصبهاني في «مقاتل الطالبيين» قصة، ونقلها عنه: السخاويُّ في «استجلاب ارتقاء الغُرَف بحُبِّ أقرباء الرسول وذوي الشرَف» أنَّ الخليفةَ عُمَر بنَ عبدالعزيز ﵀ دخل عليه
1 / 19
عبدُاللَّهِ بنُ حَسَن بنِ حسَن بنِ علي بن أبي طالب ﵀ وهو حَدَثُ السِّنِّ، فأكرَمَه، وأقبل عليه، وقضى حوائجه فلامَه قومُه؛ لعنايته بحَدَثٍ، فقال عمر بن عبدالعزيز: إنَّ النبيَّ ﷺ قال: «إنما فاطمةُ بَضْعَة مِنِّي، يسرُّني ما يَسرُّها».
وأنا أعلَمُ أنَّ فاطمةَ ﵂ لو كانت حَيَّةً، لَسَرَّها ما فَعلْتُ بابنِها.
1 / 20
[٢] عناية أهل السنة والجماعة بفاطمة، ومحبة المسلمين لها، ولطائف في موضع ترجمتها وأبواب مناقبها ومسندها ﵂ -.
زيادة على الأبواب المفردة في فاطمة التي أوردها أهل السنة والجماعة في مؤلفاتهم: العقدية، والحديثية، والتاريخية، وبعضها أبواب واسعة كما عند: ابن سعد، وابن ناصر الدين، والصالحي، فقد أفرد فيها عدد من العلماء كتابًا مستقلًا، كابن شاهين، والحاكم، والسيوطي «الثغور الباسمة»، والأكواري «إتحاف السائل»، وعبدالستار الشيخ، وغيرهم، ثم كتابي الموسوعة عنها في (٧) مجلدات، ومختصرها الكتاب الذي بين يديك ــ متَّعَك اللَّهُ به، وبهما ــ.
أهلُ السُّنَّة والجمَاعة يُحِبُّون فاطمةَ ﵂ وبناتِ النبي ﷺ، وآلَه، ولمْ أجدْ أحَدًا طعَنَ أو تكلَّم أو أعرضَ عن فاطمة ﵂ مِن أهل السنة والجماعة خاصة، ومن جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام عامة كل ما وجدته: طعن بعض اليهود والنصارى من المستشرقين في فاطمة، وذمهم لها، وقد قُوبلوا بالإنكار من بعض إخوانهم المستشرقين
كذلك ممن طعن فيها بطريق غير مباشر: مَن غلا فيها غُلوًَّا مفرطًا، كما فَعَلَتْ الإسماعيليةُ، والإمامية، والنُّصَيريةُ، والصوفيةُ
1 / 21
هذا، وإن من عظيم محبة وإجلال أهل السنة والجماعة لفاطمة ﵂ أن بدأوا بِذِكْر أحاديثها - مسندها - أو أبواب فضائلها قبل غيرها من النساء عامة أو مشارِكاتها في الاسم، وبدأوا بترجمتها أيضًا قبل غيرها، خالفوا الترتيب الذي يسيرون عليه؛ حُبًَّا في فاطمة وبنات النبي ﷺ و﵅، كما في مسند الإمام أحمد، وفضائل الصحابة له، والبخاري، والترمذي، والطبراني، والآجري، وأبي نعيم، وغيرهم.
[٣] اسمها وسبب التسمية
اسمها فاطمة، مشتَقٌّ من (الفَطْمِ) وهو: القطْع، فطمتُ الصبي، وفطَمَتْهُ أمُّه تَفطِمه: إذا فصَلَتْه عن رضاعها. وغُلامٌ فَطِيم ومفطوم. وفطمتُ فلانًا عن عادته إذا قطعتها.
والاسم موجود قبلها، تسمَّى به عدد كثير، من ذلك جدَّةُ النبيِّ ﷺ لأبيه: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.
وقد ذكر العلماء الفواطم اللاتي ولَدْنَهُ ﷺ وهُنَّ: قرشية، وقيسيتان، ويمانيتان.
وأما ما رُوي أنها سُمِّيَت بذلك؛ لأن اللَّهَ فطمَها ومحبيها عن النار، فكذبٌ لا يصح.
1 / 22
[٤] نسبها
فاطمة بنتُ رسُولِ اللهِ ﷺ محمد بن عبدِالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصَي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان.
إلى هنا متفق عليه عند العلماء، وما بعد عدنان إلى نبي الله وخليله: إبراهيم، ومنه إلى آدم ــ أيضًا ــ مختلف فيه كثيرًا، وقد روي عن عدد من الصحابة والتابعين تخطئة من يرفع النسب بعد عدنان، أبًا عن جَدٍّ.
مع الاتفاق على أنَّ عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم ﵈.
قال الذهبي: (والذي عليه أئمة هذا الشأن أنه: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ابن آزر ــ واسمه تارح ــ بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ﵇ بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس ﵇، بن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم أبي البشر ﵇. قال ابن عبدالبر: وهذا الذي اعتمده محمد بن إسحاق في «السيرة»، وقد اختلف أصحابُ ابنِ إسحاق عليه في بعض الأسماء).
1 / 23
[٥] كنيتها
أمُّ أبِيها، وأمُّ الحسن، وأمُّ الحسنين ﵃.
والعجيب: أن ابنَها الكبير: الحسن، ولم أجد مَن ذكر كُنيتَها: «أم الحسن»، إلا ابن حجر في «التقريب».
والأمرُ في باب الكنى عند العرب واسِعٌ جدًَّا.
[٦] لقبها
ذُكر لها ﵂ أربعة ألقاب: السيِّدة (^١)، والزَّهْرَاء، والبَتَوْل، والصِّدِّيقَة.
الأول: السَيِّدة، وهذا أصح لقب لها، مأخوذ من حديث النبي ﷺ بأنها سيدة نساء هذه الأمة، سيدة نساء أهل الجنة.
الثاني: الزهراء، الأزهر: الأبيض المستنير، والزهر والزهرة: البياض النيِّر، وهو أحسن الألوان، والزهراء: المرأة المشرقة الوجه، والبيضاء المستنيرة المُشْرَبة بحمرة، ويقال: الليالي الزهر: أي الليالي البيض.
وجاء في صفة النبي ﷺ أنه أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم. وابنته فاطمة ﵂ من أقرب الناس شبهًا به ﷺ، وبِناءً عليه فإن معنى الزهراء في لقب فاطمة ﵂ أي: المشرقة الوجه، البيضاء المستنيرة، المشربة بحمرة - والله أعلم ـ.
(^١) فاتني ذكر هذا اللقب في الموسوعة - ط. الأولى -، ضمن ألقابها.
1 / 24
وما قيل بأنها لُقِّبَتْ بالزهراء؛ لأنها لم ترَ دمًا في حيض ولا نفاس، فغير صحيح، ولايثبت أنها لم ترَ ذلك.
وأول من وقفت عليه ذكر هذا اللقب: ابنُ حبان (ت ٣٥٤ هـ)، ثم بعده عددٌ غفيرٌ من العلماء، وفي هذا القرن الرابع ذُكر في كتب الإمامية، ولا يُعلَم أيُّهم أوَّل.
وما دام أن أختَيها: رقية، وأم كلثوم ﵄، ابنَتَي النبيِّ ﷺ وُصِفَتا بالنُّورَين، في تلقيبِ الخليفة الراشد: عثمان بن عفان بِـ «ذي النورين» ﵁، وهو وَصْفٌ قديم مَشهُورٌ مجمع عليه؛ لأجلِ زواجِه بابنتَي النبيِّ ﷺ واحدةً بعد الأخرى؛ فإن وصف فاطمة بالزهراء مثلهما، فالنور والزهر بمعنى واحد.
لذلك لا أرى بأسًا بتلقيبها بالزهراء ــ واللَّهُ أعلَم ــ.
وأحسنُ منه وأصحُّ وأفضلُ: اللقب الثابت «السيدة» سيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء أهل الجنة.
وأحسن من ذلك كلِّه قول:
فاطمةُ بنتُ النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ لنِسْبَتِهَا الشَّرِيفَةِ، وللصَّلَاةِ عَلى النبيِّ ﷺ وآلِه.
1 / 25
الثالث: البَتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها في الفَضل والدِّين والنَّسَب والحسَبِ. وأولُ مَن وجدتُه وصفَها بذلك: أبو نعيم (ت ٤٣٠ هـ)، وقد نص ابن العربي المالكي (ت ٥٤٣ هـ) على أنه من محدثات الشيعة.
هذا، وقد كَثُرَ في كتابات المعاصرين وصْفُ فاطمةَ بِـ: البتول، والتبتل، والانقطاع للعبادة، والعزلة عن الناس.
أقول: لا شكَّ في عبادتها وصلاحها، لكن لم أجد في الآثار شيئًا يدلُّ على هذا الانقطاع والعزلة، وهي ﵂ في غِنى كَبيرٍ عن الألقاب والأوصاف المحدَثة التي لا أصل لها، ولم أجد معنى صحيحًا يصدق عليه هذا اللقب؛ لذلك لا أرى صحتَه ولا استعماله، وإن ذكره عدد من العلماء - والله أعلم ـ.
الرابع: الصِّدِّيقَة، لا يثبت لقبًا، وهو من محدثات الإمامية، ولا شك أنها صدِّيقة سيدة ﵂.
هذا، وتُوصف بالكبرى: فاطمة الكبرى؛ تمييزًا لها عن فاطمة الصغرى، والموصوفة بالصغرى ثنتان:
١ ــ بنت زوجها: فاطمة بنت علي بن أبي طالب.
٢ ــ حفيدة الكبرى: فاطمة بنت الحسين بن علي.
فبنتُ عليٍّ تُوصَف بالصغرى في التراجم، وبنتُ الحسين يَردُ وصفُها بالصغرى في الأسانيد ﵃.
1 / 26
[٧] العائلة (^١)، شيء من فضائلهم، وترتيب فاطمة بين إخوانها وأخواتها
والدُها: أفضلُ الخلق، سيدُ البشَر محمدُ بنُ عبدِالله ﷺ.
والدتُها: من سيِّدَات نساءِ العالَمِين: أمُّ المؤمنين، أمُّ القاسم: خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسد بن عبد العزى بن قُصَيِّ بن كِلاب بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان.
تلتقي بنسبها مع النبي ﷺ في أبيه الخامس: قُصَي. وهو أبوها الرابع.
خديجة ﵂ أمُّ أولادِ رسولِ الله ﷺ كلِّهم إلا إبراهيم.
أولادُها منه ﷺ: القاسمُ، ثم رقيةُ، ثم زينبُ، ثم أمُّ كلثوم، ثم فاطمةُ، ثم عبدُاللَّه - ويلقَّبُ بِـ: الطيِّب، والطاهر، على
(^١) لم أقل «الأسرة»؛ لأنها رُتبةٌ نسَبِية مع: «الفصيلة»، ولا تُطلق لغةً ولا نسَبًا ولا عُرفًا عند السابقين على البيت الواحد، وإنما جاء إطلاقها على بيت السُّكنى بعد فترة الاستعمار الصليبي، بترجمة من جهلة المترجمين، وقد كتبتُ في ذلك بحثًا منشورًَا بعنوان: «ما معنى الأسرة؟ وهل تُطلق على الرجل مع زوجه وأولاده؟».
1 / 27