المحرر في علوم القرآن
الناشر
مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
تصانيف
قال البيهقي: «والتاسعة يريد بها سورة يونس. قال: وقد سقط من هذه الرواية الفاتحة، والأعراف، وكهيعص فيما نزل بمكة» (١).
وأما الطريقة الثانية، ففيها روايات عديدة، منها ما رواه البخاري بسنده عن طارق بن شهاب «أن أناسًا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا.
فقال عمر: أية آية؟
فقالوا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]. فقال عمر: إني لأعلم أي مكان أنزلت؛ أنزلت ورسول الله ﷺ واقف بعرفة» (٢).
فهذه الروايات وغيرها تدل على أنَّ السلف كانوا يُعنون بذكر المكان الذي نزلت فيه السورة أو الآية، لكن لا يعني هذا أنهم كانوا يُغفلون الزمان الذي ضبطه بعض أتباع التابعين بضابط الهجرة، فما كان قبل الهجرة فهو مكي، وما كان بعد الهجرة فهو مدني، فهذا الضابط، وإن لم ينصوا عليه إلا أنهم يعملون بفحواه، فهل يُتصوَّر أن يكون نزول آية إكمال الدين في مكة قبل الهجرة؟
بالطبع لا، فقول عمر ﵁: «أنزلت ورسول الله ﷺ واقف بعرفة» يتضمن نزولها بعد الهجرة؛ لأن حجة الوداع كانت بعد الهجرة قطعًا، ولم يكن هناك داعٍ لأن يقول عمر: نزلت بعد الهجرة، ولا كان من مصطلحات الصحابة والتابعين وكثير من أتباع التابعين (٣).
(١) دلائل النبوة للبيهقي (٧:١٤٣)؛ وقد نقله في الإتقان (١:٣٨). (٢) صحيح البخاري برقم (٤٤٠٧)؛ وأخرجه أيضًا مسلم برقم (٣٠١٧). (٣) بدأ التقويم بالهجرة سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة من خلافة عمر بن الخطاب ﵁، ثم بدأ ينتشر التأريخ بالهجرة شيئًا فشيئًا، ينظر في هذا: البداية والنهاية، نشر مكتبة المعارف، بيروت (٣:٢٠٦ - ٢٠٧). وهذا مما يحتاج أن يلاحظه من يكتب في المكي والمدني؛ لأن ربطه بالهجرة قد تأخر، ولم يظهر في عهد الصحابة كبارهم وصغارهم، ولا ظهر في كلام التابعين =
1 / 103