المحرر في علوم القرآن

مساعد الطيار ت. غير معلوم

المحرر في علوم القرآن

الناشر

مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م

تصانيف

المحرر في علوم القرآن حُكِّم هذا الإصدار التحكيم العلمي المتعارف عليه الناشر مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي التابع للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة ص. ب ١٠٠ جدة ٢١٤١١ هاتف: ٦٥٢٣٣٣٣ تحويلة ٢٢١ - ٢٢٧ فاكس: ٦٥٢٤٤٤٤ E-Mail:drasat١@gmail.com عنوان موقع المعهد www.shatiby.edu.sa المحرر في علوم القرآن تأليف مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 2

المحرر في علوم القرآن

1 / 3

تصدير الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فقد دأبت كثير من المؤسسات الرسمية والخيرية بمراجعة مناهجها ومقرراتها الدراسية بين الفينة والأخرى طلبًا لتطوير المقررات بما يتلاءم مع حجم التغيير المطلوب من خلال تدريسها لتلك المقررات، وكان لمعهد الإمام الشاطبي التابع للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن بمحافظة جدة نصيب وافر من تلك المراجعات، فعهد إلى لجنة من المتخصصين مراجعة المناهج الدراسية لدبلوم إعداد معلمي ومعلمات القرآن الكريم الذي يُعنى بتخريج معلمين ومعلمات مؤهلين تأهيلًا عاليًا لتدريس القرآن الكريم، فكان من توصيات اللجنة الحاجة إلى استكتاب بعض المتخصصين لوضع مناهج مقررات عدة بما يتناسب مع الدور المطلوب من معلم القرآن، وكان منها مقرر علوم القرآن، فقد عهد مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي لفضيلة شيخنا الدكتور مساعد بن سليمان الطيار - وفقه الله - بكتابة المقرر وفق الخطة الدراسية المعتمدة من قبل لجنة تطوير المناهج بالمعهد، وقد تم تدريس الكتاب لفصل دراسي واحد، ومن ثم تم تحكيم المقرر من عدد من الأساتذة المتخصصين قبل طباعته. فجاء كتابًا كاسمه محررًا في علوم القرآن تعاقبت عليه أيدٍ كثيرة ليخرج بالصورة المرضيّة مشتملًا على مادة علمية قيمة بأسلوب سلس موثق يقرب المعلومات إلى أذهان الطلاب ويتدرج في طرح الموضوعات بشكل علمي رصين. وإني لأنتهز هذه الفرصة لأشكر فضيلة الشيخ الدكتور مساعد الطيار

1 / 5

على استجابته لنا في كتابة هذا المقرر، وليس هذا بغريب عليه، فدعمه العلمي بدأ منذ نشأة مركز الدراسات والمعلومات القرآنية، وما زال متواصلًا جزاه الله خيرًا. وفي الختام نرجو من المطلع والباحث الكريم ألا يبخل علينا بملاحظاته على هذا المقرر وما ستعقبه من إصدارات؛ وذلك للنهوض والرقي بتخصص الدراسات القرآنية، خدمةً للقرآن وأهله؛ فهذه التخصصات والعلوم القرآنية مما تفتقر إليه المكتبة الإسلامية. ومُعلِّم القرآن الكريم بأمس الحاجة إلى التعمق في مجال علوم القرآن لمعرفة الكثير عن المجال الذي يعمل فيه وليتعد أثر ذلك إيجابًا على حلقات التحفيظ ورفع مستوى الفهم والإدراك بالخبرة والمهارة والمدارسة. وفق الله الجميع لخدمة كتابه الكريم. رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة عبد العزيز بن عبد الله حنفي

1 / 6

مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله ذي النعم، يبدي ويعيد، وهو على كل شيء قدير، وأصلي وأسلم على البشير النذير، وعلى آله الطيبين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فقد منَّ الله بنفاذ الطبعة الأولى من الكتاب، ولما أراد الإخوة في معهد الشاطبي إعادة طباعته نشرت في ملتقى أهل التفسير (www.tafsir.net) طلب الملحوظات على الكتاب، فجاءتني ملحوظات واستفسارات استفدت منها في إخراج الكتب في طبعته الثانية. الجديد في هذه الطبعة: أولًا: إجراء التصويبات التي نبَّه عليها الإخوة الذين أرسلوا إلي بملاحظاتهم، وإزالة بعض الإشكالات التي كانت في بعض العبارات بتعديلها، أو إضافة فقرة في المتن أو في الحاشية لتوضيحها. ثانيًا: حذف المقدمة التي جعلتها لكل نوع باسم (إضاءات وإرشادات)، وقد تَمَّ في موضوعاتها الآتي: ١ - إبقاء علاقة النوع بغيره من أنواع القرآن في مقدمة كل فصل تحت عنوان (علاقة هذا النوع بغيره من أنواع علوم القرآن). ٢ - بعض الملحوظات التي كتبتها على النوع الذي أدرسه قام الأخ فؤاد أبو الغيث بسبكه في كلامي في الفصل نفسه الذي تكلمت فيه عن النوع من أنواع علوم القرآن، لكي لا يكون الكلام عن النوع في موطنين فيقع التشتيت للذهن. ٣ - المراجع التي ذكرتها في مقدمة كل فصل؛ جعلها في آخر كل

1 / 7

فصل تحت عنوان (قراءات مقترحة في الموضوع)، ثم أتبعها بذكر بعض البحوث المقترحة فيه. ثالثًا: شرح تقرير اللجنة العلمية للطبعة الثانية من مصحف المدينة، التي رأسها الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي بدلًا من شرح تقرير النسخة الأولى التي كانت لجنتها العلمية برئاسة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري، والذي تم شرحه في الطبعة الأولى؛ لاعتماد الطبعات الحديثة على الطبعة الثانية ... رابعًا: إضافة ملحق في آخر الكتاب وضع به جدول يبين العلاقات بين أنواع علوم القرآن المذكورة في الكتاب، وقد جمعت هناك ليسهل رؤيتها في مكان واحد، وعسى الله أن ييسر في طبعات أخرى أن تبين العلاقات بين جميع أنواع علوم القرآن. وفي الختام تجدر الإشادة بجهود الإخوة الباحثين في مركز الدراسات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي لما أولوا الكتاب من عناية واهتمام في طبعته الأولى بقيام الأخ الدكتور خالد واصل بترتيب الكتاب وتنسيقه وفهرسة مسائله، وقيام الأخ الأستاذ طارق الواحدي بتخريج أحاديث الكتاب، ثم ما قام به الأخ الأستاذ فؤاد أبو الغيث في طبعته الثانية من قراءة الكتاب قراءة نقدية استفدت منها فائدة كبيرة بالإضافة إلى ترتيبه (الإرشادات والإضاءات) التي كانت في بداية كل فصل وإدخالها في أصل الكتاب، وصنع جدول العلاقات بين أنواع علوم القرآن الملحق في آخر الكتاب. فجزاهم الله خير الجزاء. وأسال الله العلي العظيم أن يبارك في هذا العمل ويتقبله مني إنه جواد كريم.

1 / 8

مقدمة الطبعة الأولى الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فإن من عظمة هذا القرآن الكريم تلك الدراسات المتكاثرة التي تدور في فلكه، بحيث لا يمكن حصرها والإحاطة بها، وانظر على سبيل المثال عدد مخطوطات التفسير، ووازنها بعدد المطبوع = تجد أن المطبوع لا يمثِّل عشر عدد المخطوط، فما بالك في غيره من الدراسات المرتبطة بالقرآن الكريم. هذا، ولقد كان اعتناء العلماء بالقرآن وعلومه مما لا يخفى، فما تكاد تجد عالمًا من علماء هذه الأمة إلا وله مشاركة في أحد علوم القرآن الكريم. ولقد تنامت هذه الدراسات في علومه، حتى ظهرت كتب تجمع عددًا منها، ثم جاءت محاولة استقصاء علومه عند الزركشي (ت٧٩٤هـ)، ثم عند البلقيني (ت٨٢٤هـ)، ثمَّ خُتِم الأمر بالسيوطي (ت٩١١هـ)، ولا يعني هذا تأخر الكتابة في علوم القرآن، إذ قد يكون فيه من الكتب ما هو على منوال هذا الجمع الذي يذهب إلى الاجتهاد في استقصاء علومه لكننا لم نطلع عليه بعد. وإن علوم القرآن لا زالت بحاجة إلى تنقيح وتحرير، فكم من موضوع يظنُّ القارئ أنه مما انتهى فيه الأمر، واتفقت فيه الكلمة، بل قد يَمُرُّ على ما يعارضه فلا ينتبه له؛ لأن الأفكار السابقة التي كونها من خلال قراءته قوية ومؤثرة بحيث صار العقل ينكر ما يتعارض مع هذه الأفكار أو

1 / 9

يتجاهلها، فإذا دَخَلتْ هذه الموضوعات في محل النقاش والجدل العلمي بان ما فيها من حاجة إلى تحرير وتنقيح. وإن مما يحسن أن يُعنى به طالب علوم القرآن الانتباه للأمثلة، وتقييدها، ودراستها للخروج بصورة صحيحة عن الموضوع الذي سيدرسه، ومتى أخذ بعض الموضوعات غير المحرَّرة على سبيل القبول دون النظر في الأمثلة المتكاثرة التي تخالف ذلك التقرير لم يستطع الوصول إلى بعض الحقائق المهمة في الموضوع. وقد يقول قائل: ألا يعني هذا أننا سنفتش مرة بعد مرة في كل موضوعات علوم القرآن، ولن يقنع الآخِرُ بما وصل إليه الأول؟ أقول: نعم، إن هذا الاستفسار صحيح، وهو في محلِّه، وليس هناك ما يمنع من النظر والتقليب مرة بعد مرة ما دام الأمر يعمد إلى قضايا يسوغ فيها النظر والاجتهاد، ولست أرى أنك ملزم بقول فلان أو علان ما دام ظهر لك الحق، وبان لك الخطأ في قوله، فالعالِم الحق لا يرضى لنفسه أن تتبعه وأن تعتقد أنك وصلت إلى الصواب، فكل يؤخذ من قوله ويرد سوى رسول الله ﷺ، وليس في ذلك أي غضاضة أو انتقاص ما دام سبيل الأدب والمحبة والترحُّم على أسلافنا هو السبيل الذي نسلكه. بل لن ترتقِي دراساتنا وعلومنا إذا لم نسلك هذا السبيل، وسنبقى في انحصار ذهني لا يمكننا الخروج منه لخوفنا من المخالفة العلمية. وإن مما هو مشاهد وظاهر في العلوم أن الاختلاف لا يمكن أن ينقطع، بل هو سنة كامنة فيه لا تنفك عنه، وإنك قد تعجب في بعض الأحيان من وضوح حجتك التي تحتج بها ويخالفك فيها مخالف، وتستغرب كيف يغفل عن الصواب؟ لكنك لو تأملت الأمر قليلًا لظهر لك أن ذلك سنة الله في خلقه، فلست تملك إدخال الصواب في قلوبهم، وإن كان من حقك أن تقول ما تراه صوابًا وتدافع عنه.

1 / 10

وإن من أهم الأمور التي يحسن أن تنتبه لها في هذا المقام مبادئ الأمور وأولياته التي تربى عليها مخالفك، فما تراه من المسلَّمات لم يتربَّ هو عليه، حتى لقد يصل الأمر به أن لا يرى أنه ملزم بأقوال الصحابة في التفسير، وما ذاك إلا لأنه لم يتربَّ على تعظيم قدر الصحابة، ومعرفة مميزات علمهم، وما لهم من المعرفة باللغة العربية، والأحوال المصاحبة للنُّزول، وأحوال النبي ﷺ، فكيف لمن يكون بهذه المنْزلة أن يترك قوله؟! والمقصود الذي أريد أن أصل إليه أنني أدعو إلى أن يكون الدرس العلمي درس نقاش وحوار للوصول إلى المعلومة الصحيحة، وأنك لست ملزمًا بصحة كل ما ورد في هذا المؤلَّف، فما هو إلا جهد شخص ظهرت له ملحوظات في بعض علوم القرآن فألقاها بين يديك لتناقشها كما ناقشها، فإن اقتنعت بما وصل إليه تبنَّيته عن قناعة، وصارت فكرته هي فكرتك، وإن خالفته، فذلك حقٌّ لك، ولك أن تبيِّن خطأه وبعده عن الصواب، وكل ذلك يكون بأسلوب علمي أدبي رزين وعالٍ. وإن مما كنت قد دعوت إليه - ولا زلت أرى الحاجة إليه ماسة - أن يقوم الطلاب بفهرسة كتب الحديث على علوم القرآن؛ لاستخراج موضوعات علوم القرآن منها، لكي تكون زادًا لطلاب هذا العلم يستقون منها ما يريدون حينما يكتبون عن موضوع ما من موضوعات علوم القرآن. وإنه من خلال القراءة في كتب السنة تمرُّ بالقارئ أحاديث وآثار لها علاقة بعلوم القرآن فلا يقيدها القارئ فتضيع هذه الفوائد التي هي كالشهاب الخاطف إن لم تقيَّد مباشرة احترقت وصارت في عالم الغيب، وأنَّى له أن يسترجعها. ومما أراه مهمًّا لطالب العلم أن يقوم بإجراء تطبيقات عملية علمية على الموضوعات التي يأخذها، وإن ميدان كتب التفسير ميدان رحب لهذه التطبيقات، فلو أخذ - على سبيل المثال - المكي والمدني، ودرس تطبيقاته في تفسير ابن جرير (ت٣١٠هـ)، أو في تفسير ابن عطية (ت٥٤٢هـ)، أو في

1 / 11

تفسير القرطبي (ت٦٧١هـ)، أو في تفسير ابن جُزِي (ت٧٤١هـ)، أو غيرها من التفاسير = لكان في هذا التطبيق رسوخًا في العلم. فالدراسات التطبيقية هي التي تُثبِّت المعلومات، وتظهر خبايا الموضوعات، وتزيد الدرس قوة إلى قوة. تصنيف هذا الكتاب: لقد عهِد إليَّ مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي تصنيف هذا الكتاب وَفْقَ الخطة المقرَّرة لهذه المادة في دبلوم إعداد معلمي ومعلمات القرآن الكريم بالمعهد، وكان من الظاهر في اختيار موضوعات هذا الكتاب أن يتناسب مع ما سيقوم به الطالب في مستقبله من تعليمٍ للقرآن، وإقراءٍ له في المساجد ومدارس التحفيظ، فاختير من الموضوعات ما يكون له فائدة مباشرة بمزاولة هذه المهمة (١)، مع ذكر موضوعات يحسن به أن يمرَّ بها. والجدير بالذكر أن مفردات هذه المادة قد وضعت من قِبَلِ (لجنة تطوير المناهج) في المعهد، ثم حُكِّمت من قبل بعض المتخصصين، ومن ثَم أقرَّت من (المجلس العلمي) بالمعهد. ولما كان مما يُلتزم به في التأليف أن تكون الموضوعات المطروحة متناسبة مع التخصص العام الذي يدرسه الطالب، ومع الزمن المقرر للمادة العلمية، فإني حرصت على عدم الاستطراد، وخلصت إلى وضع مقدمة لبعض الموضوعات أذكر فيها أنواع علوم القرآن المرتبطة بالموضوع المدروس، ثم أذكر في خاتمة بعض الموضوعات أمرين: الأول: مراجع يستفاد منها في الموضوع.

(١) لأجل هذا الغرض حصل التوسع فيما سيمارسه الطالب في إقرائه، وذلك في الفصل المتعلق بشرح مصطلحات ضبط مصحف المدينة النبوية، ليتسنى له إتقان ما يتعلق بضبطه حال قراءته وإقرائه.

1 / 12

الثاني: اقتراح موضوعات بحثية يمكن للناظر في هذا الكتاب القيام بها. وقد جاءت خطة هذه المادة على النحو الآتي: الباب الأول: مدخل إلى علوم القرآن. ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: مفهوم علوم القرآن. الفصل الثاني: نشأة علوم القرآن. الفصل الثالث: الفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير. الباب الثاني: نزول القرآن وجمعه. ويشتمل على خمسة فصول: الفصل الأول: الوحي. الفصل الثاني: نزول القرآن. الفصل الثالث: المكي والمدني. الفصل الرابع: أسباب النُّزول. الفصل الخامس: جمع القرآن. الباب الثالث: علوم السور. ويشتمل على خمسة فصول: الفصل الأول: أسماء السور. الفصل الثاني: عدد آيات السور. الفصل الثالث: فضائل السور. الفصل الرابع: ترتيب السور. الفصل الخامس: موضوعات السور ومقاصدها. الباب الرابع: المصحف عناية الأمة به. ويشتمل على فصلين:

1 / 13

الفصل الأول: عناية علماء الأمة بالمصحف. الفصل الثاني: مثال معاصر لعناية العلماء بضبط المصحف (مصطلحات ضبط مصحف المدينة النبوية). وأسأل الله أن يكون هذا الكتاب قد وفَّى بالغرض الذي رُسم له، وأن يتقبله عملًا صالحًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وإني لأرجو ممن تظهر له ملاحظة أن يراسلني بها؛ لأتدارك ما فيه من النقص والخلل الذي لا يخلو منه عمل البشر، سائلًا الله التوفيق والسداد لكل من كان له أثر في هذا الكتاب، وأخص بذلك من أحسن بي الظنَّ وأسند إليَّ كتابة هذا الكتاب، والحمد لله رب العالمين. د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار attyyar@hotmail.com

1 / 14

مدخل إلى علوم القرآن الفصل الأول: مفهوم علوم القرآن الفصل الثاني: نشأة علوم القرآن الفصل الثالث: الفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير

1 / 15

الفصل الأول مفهوم علوم القرآن

1 / 17

يذهب الباحثون في مثل هذه المصطلحات (المركبة من مضاف ومضاف إليه) إلى تعريف كل مصطلح من المتضايفين على حِدةٍ، ثمَّ يبينون المصطلح حال التركيب، ويشرحونه مبينين محترزات التعريف، وذلك لضبط المصطلح الذي يريدون تعريفه ضبطًا جامعًا (يجمع كل مسائله فيه)، مانعًا (يمنع غير مسائله من الدخول فيه). ومن هذا المنطلق فإنني سأشرح التعريف بهذا الأسلوب، مع ملاحظة أن طالب العلم لا يحتاج إلى مثل هذا الأسلوب في كثير من العلوم التي يتعلمها؛ إذ يأخذ مسائلها بالدراسة والمِران، حتى يتكون لديه معرفة وإلمام بأغلب مسائل العلم الذي يدرسه إن لم يكن كلها. أولًا: معنى (علوم): العلوم جمع (علم)، والعلم: معرفة الشيء على الحقيقة التي هو عليها ظنًّا أو يقينًا، فحين يقال لك: هل تعلم أن أول من أسلم من الرجال أبو بكر؟ فأنت تعلم هذا، وهو حقيقة، فهذا علمٌ. وقد تقرأ في كتب الفلك وجود نجم له مسمى جديد، فهذا بالنسبة لك علم ظنيٌّ لم يرتق إلى الحقيقة، وهو بالنسبة لك علمٌ. والعلم بهذا التعريف يقرب من معنى (المعرفة)، لكنَّ في دلالة لفظ (العلم) من جهة اللغة ما يدلُّ على أنه أوسع في المدلول عليه من لفظ (المعرفة)، وهو موجود في كتب (الفروق اللغوية وغيرها) (١).

(١) للتوسع في مدلول العلم وفي الفرق بينه وبين المعرفة يُنظر الكتب الآتية - على سبيل المثال ـ: مقاييس اللغة لابن فارس، الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي. ويلاحظ أن بعض علماء الكلام الذين أثرت الفلسفة والمنطق في كتاباتهم قد قسموا =

1 / 19

وأمَّا (العلم) في الاصطلاح، فهو يُطلق على (المسائل المضبوطة ضبطًا خاصًّا)، وسيدرك الطالب تمايز كل علم بالنظر في موضوعاته ومسائله، فإذا قلت له: مقدار الغنة حركتان، فإنه يعرف أن هذا من علم التجويد، وإذا قلت له: قرأ نافع كذا، علِم أن هذا من علم القراءات، وإذا قلت له: الشمس تضيء بنفسها، والقمر يعكس ضوءها، علِم أن هذا من علم الفلك، وهكذا غيرها من المعلومات التي ضُبطت في مسائل العلوم، وتميَّزت بها (١). ثانيًا: معنى (القرآن): القرآن في اللغة مأخوذ من مادة قرأ، بمعنى تلا، وهذا ظاهرٌ من

= العلم إلى تصورات وتصديقات، والذي يحسن التنبه له أن مدلول العلوم الإسلامية ليس بحاجة إلى هذه التقسيمات، بل إن بعض العلوم الإسلامية قد تخرج عن مسمى العلم إذا أخذت بهذه التقسيمات، وإن شئت فانظر ما قاله الطاهر بن عاشور في مقدمات تفسيره، حيث أخرج علم التفسير من أن يسمى علمًا بسبب اعتماده هذه المصطلحات. قال الطاهر بن عاشور: «هذا وفي عَدِّ التفسير علما تسامح؛ إذ العلم إذا أطلق، إما أن يراد به نفس الإدراك، نحو قول أهل المنطق، العلم إما تصور وإما تصديق، وإما أن يراد به الملكة المسماة بالعقل، وإما أن يراد به التصديق الجازم وهو مقابل الجهل، وهذا غير مراد في عد العلوم، وإما أن يراد بالعلم المسائل المعلومات وهي مطلوبات خبرية يبرهن عليها في ذلك العلم وهي قضايا كلية، ومباحث هذا العلم ليست بقضايا يبرهن عليها فما هي بكلية، بل هي تصورات جزئية غالبًا؛ لأنه تفسير ألفاظ أو استنباط معان. فأما تفسير الألفاظ فهو من قبيل التعريف اللفظي، وأما الاستنباط فمن دلالة الالتزام وليس ذلك من القضية ...». التحرير والتنوير (١:١٢). (١) في هذا الموضوع قضايا في مبادئ البحث عن العلوم، وليس فيها ثمرة علمية مفيدة إلا في قضايا مخصوصة جدًّا، فالعلوم قد ضُبِطت مسائلها، وعُرفت موضوعاتها فكُفينا بذلك العناء في البحث من هذه الجهة، لكن قد ترد بعض الموضوعات والمسائل التي تتنازعها العلوم، وهذه مسائل محددة معروفة، ولكل مسألة أو موضوع شأنه الخاص به، ولا حاجة إلى التعمُّق في مثل هذا أيضًا، فقد تجد من يقول: العموم والخصوص من مسائل أصول الفقه، ويقول آخر: هي من مسائل علوم القرآن، وهذا الاختلاف ليس فيه أثر كبير من جهة النسبة، وإنما أثره في طريقة تناول الموضوع المشترك بين هذين العلمين؛ إذ لا بد أن يختلف في طريقة طرحه، وهذا أهمُّ من البحث في هل هو من هذا العلم أو من هذا العلم؟

1 / 20

استخدام هذا اللفظ ومشتقاته في كلام الله سبحانه، وفي كلام رسوله، وفي كلام الصحابة الذين نزل عليهم القرآن، ولا حاجة إلى التطويل في تقرير هذه المسألة. ومما يدل على أنه مأخوذ من (قرأ) بمعنى (تلا) قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَانٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾ [يونس: ٦١]، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]، وقوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]، وقوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦] وغيرها من الآيات. أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي ﷺ قال له: «اقرأ القرآن في كل شهر. قال إني أطيق أكثر فما زال حتى قال: في ثلاث» (١). وأخرج البخاري عن أبي بردة أن النبي ﷺ: (بعث جده أبا موسى ومعاذًا) إلى اليمن فقال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا». فقال أبو موسى: يا نبي الله، إن أرضنا بها شراب من الشعير المِزْر (٢)، وشراب من العسل البِتْع (٣). فقال: «كل مسكر حرام». فانطلقا، فقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا، وعلى راحلتي، وأتفوقه تفوقًا (٤).

(١) أخرجه البخاري برقم (١٩٧٨)؛ ومسلم برقم (١١٥٩). (٢) نبيذ يُتَّخذ من الشعير، وقيل: يُتخذ من الذرة أيضًا. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٤:٣٢٤). (٣) نبيذ العسل، وهو خمر أهل اليمن، والتاء في البتع تسكَّن وتحرك بالفتح، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (١:٩٤). (٤) قال ابن الأثير: (يعني قراءة القرآن؛ أي: لا أقرأ وردي منه دفعة واحدة، لكن أقرؤه شيئًا بعد شيء في ليلي ونهاري، مأخوذ من فُواق الناقة؛ لأنها تُحلَب ثم تُراح حتى =

1 / 21

قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ... (١). فالقرآن بمعنى المقروء، ثم غلب اسمًا على كلام الله تعالى المحفوظ بين دفتي المصحف. والقرآن في الاصطلاح: كلام الله المنَزل على نبيه محمد ﷺ، المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سوره. شرح التعريف: (كلام الله): عموم يشمل جميع كلامه سبحانه، فيدخل فيه كلامه للملائكة، ولغيرهم. وخرج بـ (المنَزل) ما لم يُنَزل من كلامه لأهل السماء، ويدخل فيه كلامه المنَزل على عموم أنبيائه. وخرج بقوله: (على نبيه محمد ﷺ ما نزل على غيره من الأنبياء، ويدخل فيه ما نزل عليه من كلام الله كالحديث القدسي. وخرج بقوله: (المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سوره) الحديث القدسي، وغيره من الكلام المنَزل على محمد ﷺ سوى القرآن (٢). المراد بعلوم القرآن: تحتمل إضافة العلوم إلى القرآن احتمالين: الأول: أن يراد بها عموم (المعلومات) التي تنطوي تحت ألفاظ

= تُدِرَّ، ثم تُحلب) النهاية في غريب الحديث والأثر (٣:٤٨٠). (١) أخرجه البخاري برقم (٤٣٤٥). (٢) اعلم أنه لا يلزم طالب العلم التدقيق في تعريف المصطلحات الشرعية ولا المشهور بين الناس؛ كتعريف القرآن، والصلاة والزكاة والحج، وغيرها مما يعلمه المسلم بالتطبيق، فإن تعريف مثل هذه لا يخلو من ملاحظة علمية من جهة التعريف، فضلًا عن أن تعريف الواضحات يدخلها في المشكلات، فبدلًا من وضوحها تنقلب إلى مسألة مشكلة، وتحرير هذه المصطلحات لا يؤثر في العلم شيئًا في الأغلب الأعم.

1 / 22

القرآن، فأي معلومة نصَّ عليها أو أشار إليها فهي من علومه؛ أي: معلوماته، وهذا المعنى ذهب إليه بعض العلماء، فأطلقوا هذا على علوم القرآن، قال أبو بكر بن العربي المالكي (ت٥٤٣هـ): «وقد ركَّبَ العلماءُ على هذا كلامًا، فقالوا: إنَّ علومَ القرآنِ خمسونَ علمًا، وأربعُمائة علمٍ، وسبعةُ آلاف، وسبعونَ ألفَ علمٍ، على عدد كَلِمِ القرآنِ، مضروبةً في أربعةٍ، إذ لكلِّ كلمةٍ منها ظهرٌ وبطنٌ، وحدُّ ومطلع (١). هذا مطلقٌ دون اعتبارِ تركيبِه، ونَضْدِ بعضِه إلى بعضٍ، وما بينها من روابط على الاستيفاءِ في ذلك كلِّه، وهذا مما لا يحصى، ولا يعلمُه إلاَّ اللهُ» (٢). وهذا المعنى الذي ذهب إليه هؤلاء - مع ما فيه من نظر - ليس هو المراد بإطلاق علوم القرآن في الاصطلاح الذي هو الاحتمال الثاني المراد بهذه الإضافة. الثاني: جملة من أنواع المعلومات المضبوطة ضبطًا خاصًّا المتعلقة بالقرآن الكريم من حيث نزوله وجمعه وقراءاته ومكيِّه ومدنيِّه وأسباب نزوله، وما إلى ذلك (٣).

(١) هذه المصطلحات مما دخلها الخلل في الفهم، فحملها بعض المتصوفة وغيرهم على مراداتهم، وقد نوقشت هذه المصطلحات من قِبل المحققين، وبيَّنوا ما وقع من الخلل في فهمها. ينظر في هذا: رسالة شيخ الإسلام في الظاهر والباطن؛ الفتاوى (١٣:٢٣٠، وما بعدها)؛ وكتاب «الموافقات» للشاطبي، تحقيق مشهور سلمان (٤:٢٠٨، وما بعدها). (٢) قانون التأويل، لابن العربي، تحقيق الدكتور محمد السليماني (ص٥٤٠)، وقد أشار إلى احتمال أن يكون هذا الكلام مأخوذًا من الغزالي، وقد أحال المحقق إلى إحياء علوم الدين، ط. الحلبي (١:٢٩٠) قال الغزالي: «وقال آخرون: القرآن يحوي على سبعة وسبعين ألف علم ومئتي، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك إلى أربعة أضعاف، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحد ومطلع». (٣) قد يلاحظ بعض المعتنين بالمصطلحات أن هذا التعريف لا يدخل في حدِّ التعريف الجامع المانع، وهذا صحيح، لكن مما يحسن الانتباه له أن بعض العلوم الإسلامية لا يمكن أن تدخل في هذا الحدِّ، لكن كلما كان التعريف أكثر دقة وقربًا من المقصود =

1 / 23