المغني شرح مختصر الخرقي
محقق
عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو
الناشر
دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع
الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤١٧ هجري
مكان النشر
الرياض
أن الظَّاهِرَ عن أحمد، ﵀، في حَقِّ الرَّجُلِ، وُجُوبُ الاسْتيعابِ، وأنَّ المَرْأةَ يُجْزِئُها مَسْحُ مُقَدَّمِ رَأْسِها. قال الخَلَّالُ: العَمَلُ في مَذْهَبِ أحْمدَ أبى عبد اللَّه أنَّها إن مَسَحَتْ مُقَدَّمَ رَأْسِها أجْزَأَهَا. وقال مُهَنَّا: قال أحمدُ: أرْجُو أن تكونَ المرأةُ في مَسْحِ الرأسِ أَسْهَلَ. قلتُ له: ولِمَ؟ قال: كانت عائشةُ تَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِها (٣). واحْتَجَّ مَنْ أجازَ مَسْحَ البَعْضِ بأنَّ المُغِيرَةَ بن شُعْبةَ، رَوَى أنَّ النبيَّ ﷺ مَسَحَ بِنَاصِيَتِه وعِمَامَتِه (٤). وأن عُثْمانَ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِه بيَدِهِ مَرَّةً واحدةً ولمْ يَسْتَأْنِفْ له ماءً جَدِيدًا، حين حَكَى وُضُوءَ النبيِّ ﷺ (٥). رَوَاه سَعِيد؛ ولأنَّ مَنْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِه يُقالُ: مَسَحَ بِرَأْسِه، كما يُقالُ: مَسَحَ بِرَأْسِ اليَتِيمِ وقَبَّلَ رَأْسَه.
وزَعَمَ بعضُ من يَنْصُرُ ذلك أن الباءَ للتَّبْعِيضِ، فكأنه قال: وامْسَحُوا بَعْضَ رُءُوسِكُم، ولنا قَوْلُ اللهِ تعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾، والباءُ للإِلْصاقِ، فكأَنَّهُ قال: وَامْسَحُوا رُءُوسَكُم. فيَتَناوَلُ الجَمِيعَ. كما قال في التَّيَمُّمِ: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾. وقَوْلُهُم: الباءُ للتَّبْعِيضِ غيرُ صَحِيحٍ، ولا يَعْرِفُ أَهْلُ العَرَبِيَّة ذلك، قال ابنُ بَرْهان (٦): مَنْ زَعَم أن الباءَ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ فقد جاء أهلَ اللُّغَةِ بما لا يَعْرِفُونَه (٧). وحَدِيثُ المُغِيرَة يَدُلُّ عَلَى جَوازِ المَسْحِ على العِمَامَةِ، ونحنُ نقولُ به، ولأن النبيَّ ﷺ لمَّا تَوَضَّأ مَسَحَ رَأْسَه كُلَّه، وهذا يَصْلُحُ أن يكونَ مُبَيِّنًا للمَسْحِ المَأْمُورِ به، وما ذَكَرُوه من اللفظ مَجَازٌ لا يُعْدَلُ إليه عن الحَقِيقةِ إلَّا بِدَلِيلٍ.
(٣) انظر: باب مسح المرأة رأسها، من كتاب الطهارة. المجتبى من سنن النسائي ١/ ٦٢.
(٤) أخرجه مسلم، في: باب المسح على الناصية والعمامة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم ١/ ٢٣٠، ٢٣١. والترمذي، في: باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ١٥٠، والنسائي، في: باب صفة الوضوء - غسل الكفين، وباب المسح على العمامة مع الناصية، وباب كيف المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ٥٥، ٦٥، ٦٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٤٤، ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥٥.
(٥) تقدم في صفحة ١٦٩.
(٦) أبو القاسم عبد الواحد بن على بن برهان العكبرى النحوى اللغوى، المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة. إنباه الرواة ٢/ ٢١٣ - ٢١٥.
(٧) انظر: البحر المحيط ٣/ ٤٣٦، وإملاء ما مَنَّ به الرحمن ١/ ٢٠٨.
1 / 176