المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة الرابعة والثلاثون العدد (١١٤) ١٤٢٢هـ/٢٠٠٢م
تصانيف
وقال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء / ١٦٥] .
فكان فرعون مدارئًا، وموسى ﵇ مداريًا. وكان موسى ﵇ والمؤمنون معه محكومين، وفرعون كان حاكمًا، فاقتضت الحكمة أن يراعي المحكوم الحاكم المستبد اتقاء سطوته، وجبروته للإبقاء على الداعي، ودعوته لاستمرارهما مع الآخرين، بلا إفراط ولا تفريط، وإنما مداراة، وحنكة حَتَّى إذا أقام عليهم الحجة تركهم، وشأنهم يواجهون مصيرهم المحتوم، وقد برأت ذمّة الداعية إن شاء الله.
ومحمّد بن عبد الله ﷺ بذل في دعوته إلى توحيد الله جهده، وطاقته بأساليب، وطرق مختلفة يظهر عليها طابع الحكمة، والرويَّة، والشفقة، والإحسان، والصبر الجميل، والموعظة بالتي هي أحسن.
فهو رسول الله إلى الثقلين، بخلاف من سبقه من الرسل والأنبياء، فقد كان كلّ نبي يبعث في قومه خاصة.
مما جعل مهمته ﷺ من أشقّ المهام، وأصعبها. إلاّ أنّ الله ﷿ أمدّه بعونه، وتوفيقه، وعصمه من الخطأ، أو الزلل، ورسم له طريق الدعوة فيما أنزل عليه من قرآن، تكفَّل بحفظه ﷿ عن الزيادة، والنقصان، فكان معجزته الخالدة، فيه البيان، والإرشاد لطريق الدعوة والهداية.
قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران / ١٥٩] .
ففي هذه الآية الكريمة أبرز صفات الداعية وأهمّها: أن يكون الداعية ليِّن الجانب مع القساة، والمتعنّتين، ممن تسوقهم قلّة درايتهم إلى استخدام ألفاظ
1 / 287