الخراج
محقق
طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد
الناشر
المكتبة الأزهرية للتراث
رقم الإصدار
طبعة جديدة مضبوطة - محققة ومفهرسة
سنة النشر
أصح الطبعات وأكثرها شمولا
الرِّجَالِ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ وَعَزَلَ الْخُمُسَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهُ؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَادِسِيَّةِ طَلَبُوا الصُّلْحَ وَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، فَمَضَى خَالِدٌ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ حَتَّى نَزَلَ النَّجَفَ وَبِهِ حِصْنٌ حَصِينٌ لِكِسْرَى فِيهِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مُقَاتِلَةٌ؛ فَحَاصَرَهُمْ وَافْتَتَحَ الْحسن وَاسْتَنْزَلَهُمْ وَرَئِيسُهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارس يُقَال لَهُ هزال مرد فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَاتَّكَأَ عَلَى جِيفَتِهِ وَدَعَا بِطَعَامِهِ وَالآخَرُونَ مَقْرنُونَ فِي السَّوَاجِيرِ١؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ "امْرَادُو" فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَهُمْ وَأَخَذَ مَا فِي الْحِصْنِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالدَّوَابِّ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْحُصُونِ الَّتِي افْتَتَحَ أَحْصَنَ مِنْهُ وَلا أَكْثَرَ مُقَاتِلَةً وَلا سِلاحًا وَلا مَتَاعًا وَلا رِجَالا أَشَدَّ مِنْ رِجَالٍ كَانُوا فِي حِصْنِ النَّجَفِ فَأَخْرَبَ الْحِصْنَ وَأَحْرَقَهُ، ثُمَّ بَعَثَ طَلِيعَةً لَهُ إِلَى أَهْلِ أُلَّيْسَ، وَفِيهَا حِصْنٌ فِيهِ رِجَالُ مَسْلَحَةٍ لِكِسْرَى؛ فَحَاصَرَهُمْ وَفَتَحَ الْحِصْنَ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ مِنَ الرِّجَالِ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ وَأَخَذَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَهَدَمَ الْحِصْنَ وَأَحْرَقَهُ.
فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ أُلَّيْسَ ذَلِكَ وَمَا صَنَعَ خَالِدٌ بِأَهْلِ الْحِصْنِ طَلَبُوا مِنْهُ الصُّلْحَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ؛ فَأَعْطَاهُمْ فَأَدَّوْا إِلَيْهِ الْجِزْيَةَ، ثُمَّ مَضَى إِلَى الْحِيرَةِ فتحصن مِنْهَا أَهْلُهَا فِي قُصُورِهَا الثَّلاثَةِ: قَصْرِ الأَبْيَضَ، وَقَصْرِ الْعُدَيْسِ، وَقَصْرِ ابْنِ بقيلة؛ فأجال أَصْحَاب خَالِد الْخَيل فِي ذَلِك الظُّهْرِ وَتَعَرَّضُوا لَهُمْ لأَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَحَدٌ أَوْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يرو أَحَدًا يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَلا يُرِيدُ قِتَالَهُمْ؛ فَأَشْرَفَ وَلَدَانِ مِنْ فَوْقِ الْقَصْرِ، فَأَرْسَلَ خَالِدٌ رَجُلا مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ إِلَى الْقَصْرِ الأَبْيَضِ فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ لِمَنْ كَانَ قَدْ أَشْرَفَ: يَخْرُجْ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ أُكَلِّمُهُ. فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ وَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِيُّ وَكَانَ وَالِي الْحِيرَةِ مِنْ قِبَلِ كِسْرَى وَلاهُ بَعْدَ النُّعْمَانِ بن الْمُنْذر؛ فَأتوا خَالِدا فَقَالَ لَهُمْ: أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ؛ فَإِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِم، وَإِن أبيتهم فأطعوا الْجِزْيَةَ؛ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ.
قَالَ: وَفِي يَدِ ابْنِ بُقَيْلَةَ السُّمَّ؛ قَالَ: فَقَالَ هَل خَالِدٌ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا السُّمُّ فَإِنْ أَنْتَ أَعْطَيْتَنِي مَا أُرِيدُ وَإِلا شَرِبْتُهُ فَلا أَرْجِعَ إِلَى قَوْمِي بِمَا لَا يُحِبُّونَ، قَالَ فَأَخَذَهُ خَالِدٌ مِنْ يَدِهِ
١ هِيَ خَشَبَة تعلق فِي عنق الْكَلْب.
1 / 156