256

الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام

الناشر

دار المعرفة

رقم الإصدار

الأولى

مكان النشر

مصر

﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] .
وَقَالَ أَيْضًا ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] فَالْآيَةُ الْأُولَى أَعْلَمَتْ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ مَعًا ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الثَّلَاثُونَ كَمَلَ الْحَمْلُ، وَحَصَلَ الْفِصَالُ وَهُوَ الْفِطَامُ، وَالثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ أَعْلَمَتَا أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَحْدَهُ حَوْلَانِ كَامِلَانِ، وَإِذَا كَانَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ وَحْدَهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَمُدَّةُ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إذْ هِيَ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ حَطِّ زَمَنِ الرَّضَاعِ مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا الْمُقَدَّرَةِ لِمَجْمُوعِهِمَا (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ): وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] وَقَالَ ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] فَتَبْقَى مُدَّةُ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ اهـ.، وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الْحَمْلِ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ، أَوْ طَلَاقٍ إذَا حَصَلَتْ لَهَا رِيبَةٌ وَشَكٌّ فِي كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ تَأَخُّرَ الْحَيْضِ عَنْ وَقْتِهِ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً، ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عِدَّةً هَذَا إنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ سَبَبٍ.
أَمَّا إنْ تَأَخَّرَ لِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ الْأَقْرَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تَحِلُّ بِمُضِيِّ السَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ حِسَّ الْبَطْنِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُرْتَابَةُ بِحِسِّ الْبَطْنِ لَا تُنْكَحُ إلَّا بَعْدَ أَقْصَى أَمَدِ الْوَضْعِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرُوِيَ أَرْبَعَةٌ وَرُوِيَ سَبْعَةٌ (وَقَالَ أَشْهَبُ): لَا تَحِلُّ أَبَدًا حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَيْ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ. قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَرَبَّصَتْ أَيْ إنْ ارْتَابَتْ بِهِ وَهَلْ خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا خِلَافٌ، يَعْنِي فَإِذَا مَضَتْ الْخَمْسَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَلَّتْ وَلَوْ بَقِيَتْ الرِّيبَةُ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ): وَلَا تُنْكَحُ مُسْتَرَابَةُ الْبَطْنِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الرِّيبَةِ، أَوْ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ قَالَتْ أَنَا بَاقِيَةٌ عَلَى رِيبَتِي؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ سِنِينَ أَمَدُ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْحَمْلُ اهـ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيبَةُ هَلْ حَرَكَةُ مَا فِي بَطْنِهَا حَرَكَةُ وَلَدٍ أَوْ حَرَكَةُ رِيحٍ وَأَمَّا إنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ وَلَدٍ فَلَا تَحِلُّ أَبَدًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ الْخَامِسَةُ يَعْنِي مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ: الْمُرْتَابَةُ فِي الْحَمْلِ بِحِسِّ بَطْنٍ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، أَوْ مُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ مَعَ عَدِمَ تَحَقُّقِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ تَحَقَّقَ حَمْلُهَا وَالشَّكُّ لِطُولِ الْمُدَّةِ لَمْ تَحِلَّ أَبَدًا اهـ.
فَمَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ عَدِمَ تَحَقُّقِهِ إلَخْ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِخُرُوجِهِ. اهـ. كَلَامُ الْحَطَّابِ
وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةِ ... فِي عِدَّةٍ كَحَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ
مِنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ كَالْإِنْفَاقِ ... إلَّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالْإِطْلَاقِ
يَعْنِي: أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا حَالُهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ كَحَالِ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا وَثُبُوتِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا وَارْتِدَافِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَانْعِقَادِ الظِّهَارِ وَلُزُومِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بِوَطْءٍ وَلَا مُقَدِّمَاتِهِ، بَلْ حَتَّى بِالنَّظَرِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ (قَالَ الْمُتَيْطِيُّ): تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا أَيَّامَ عِدَّتِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا بَائِنًا وَكَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ ارْتِجَاعَهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَوْقَعَهُ السُّلْطَانُ بِالْإِيلَاءِ أَوْ عَدَمِ النَّفَقَةِ إذَا أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ (وَفِي الْجَوَاهِرِ) هِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُبَاحَةُ الْوَطْءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وَالْبَعْلُ مَنْ لَهُ الْوَطْءُ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ؛ فَيَثْبُتُ قِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَجَوَابُهُ أَنَّ لَفْظَ الرَّدِّ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي عِدَّةٍ أَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ لَا عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ ... فَلَيْسَ مِنْ سُكْنَى وَلَا مِنْ نَفَقَهْ
وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بِالْقَضَا ... عَلَى أَبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى
أَفَادَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا تَجِبُ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ؛؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَجِبَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَجَازَ لَهَا أَنْ

1 / 257