الاستبصار في نقد الأخبار - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
علي بن محمد العمران
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
وسلم، فبنى على أن شهادتهم مطابقة للواقع في أن الذي أثنوا عليه خيرًا لم يظهر منه للناس إلا الخير.
وإذا كان الإنسان بحيث لا يظهر منه لجيرانه الأَدْنين ونحوهم من أهل الخبرة إلا الخير، فهو العدل، والمثني عليه منهم بذلك مُعَدِّل له، فالمثنون [ص ٥٤] على الميت من جيرانه وأهل الخبرة به معدِّلون له. وقد نصَّ في الحديث على أنه يكفي في ذلك الأربعة، ويكفي الثلاثة، ويكفي الاثنان، ففي هذا دليل واضح على كفاية الاثنين في التعديل.
ويبقى النظر في الواحد، فقد يقال: قد ثبت من حديث جابر وغيره أنه كان للصحابة ﵃ أن يراجعوا النبي ﵌ مرّتين، فإذا قال الثالثة، لم يكن لهم أن يراجعوه بعدها (^١). وشواهد هذا في الأحاديث كثير، فابتداؤه ﵌ بذكر الأربعة يشعر بالنهي عن السؤال عن الواحد، وذلك أنه ﵌ لعله إنما ابتدأ بالأربعة مستشعرًا أنهم سيراجعونه فيسألونه عن الثلاثة، ثم يراجعونه ثانية، فيسألونه عن الاثنين، ثم يقفون لما تقرَّرَ عندهم من المنع عن المراجعة فوق اثنتين.
وفي هذا دلالة ما على أنّ ثناء الواحد لا يكفي لبناء الحكم بوجوب الجنّة، فأما وجوب الجنة في نفس الأمر فقد ظهر ممّا تقدّم أنها تجب لمن لم يَظْهر منه إلا الخير، وإن لم يثن عليه أحد، ففائدة الشهادة على هذا إنما
_________
(^١) قصة حديث جمل جابر في الصحيح ليس فيها ذلك، ووقع التصريح بذلك عند أحمد في "المسند" (١٤٨٤٦) قال: "كنّا نراجعه مرتين في الأمر إذا أمرنا به، فإذا أمَرَنا الثالثة لم نراجعه .. ". وانظر رسالة المؤلف في "حجيّة خبر الواحد".
15 / 53