الإيضاح في مناسك الحج والعمرة
الناشر
دار البشائر الإسلامية والمكتبة الأمدادية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٤ هجري
مكان النشر
بيروت ومكة المكرمة
تصانيف
الفقه الشافعي
ورَمَلهم (١) واضطباعهم في الطواف تذكير لقلوبهم بهدي الرسول محمد ﷺ، والاقتداء بفعله ليكونوا على شيء من صبره وعزمه وجلده وتذكرة بنشأة الإِسلام في عهده الأول، وسعيهم بين الصفا والمروة تذكير بحال إسماعيل وأمه هاجر ﵉، حين تركهما الخليل ﵊ في رعاية ربّ العالمين، ففاضت زمزم بماء البركة وعم الخير واتسع العمران.
وحلقهم أو تقصيرهم لشعورهم طريق لخروجهم من الإِحرام والتحرر
_________
(١) الرمل: ويسمى الخبب وهو المشي بسرعة مع تقارب الخطا بهمة ونشاط، والاضطباع: وهو كشف المنكب الأيمن، بجعل جانب الرداء الأيمن تحت الإبط وطرحه على المنكب الأيسر، هذا الرمل وهذا الاضطباع هما من الهدي النبوي الذي فعله النبي ﷺ وأشار على الصحابة به في طوافهم بالكعبة في عمرة القضاء التي كانت في ذي القعدة من العام السابع، وقد أراد ﷺ أن يرد بهذا الهدي على المشركين ويكبتهم به ويجعله تكذيبًا عمليًا لهم، لما بلغه أنهم يستضعفون صحابته رضوان الله عليهم ويهزءون بقوتهم ويهونون من أمرهم ويقولون: إنهم مرضى ضعفاء نهكتهم حمى يثرب، فأخذ ﵊ يشجع أصحابه ويقول لهم: "رحم الله امرءًا أراهم اليوم من نفسه قوة" فأراهم ﵊ من نفسه ومن أصحابه بالرمل والاضطباع جلدًا قويًا وعزمًا وإيمانًا وعزة يجب أن تكون محل الأسوة ومضرب الأمثال.
فان قيل: كان الرمل والاضطباع في الطواف من الرسول ﵊ ومن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم لذلك المعنى الخاص الذي انتهى بانتهاء وقته وتمام الغرض منه.
أجيب: بأنهما صفحة تاريخية إسلامية يجب المحافظة عليها وتكرارها عمليًا في الطواف تذكيرًا للقلوب بهدي رسولها ﷺ، ومحافظة على متابعة سلفنا الصالح، وقد خطر لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يترك الرمل في الطواف، لأن النبي ﷺ فعله لسبب عارض فزال ثم بدا له رضي الله تعالى عنه فمضى عليه ولم يتركه محافظة على فعل النبي ﷺ.
1 / 33