الإيضاح في مناسك الحج والعمرة
الناشر
دار البشائر الإسلامية والمكتبة الأمدادية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٤ هجري
مكان النشر
بيروت ومكة المكرمة
تصانيف
الفقه الشافعي
أسرار الحج وذكرياته
في كل مظهر من مظاهر الحج وفي كل مجال من مجالاته، تتجلى فيه العبودية لله ويظهر أثرها بارزًا ملحوظًا، ففي أداء الشعائر والتلبس بالطاعات من تجرد عن الثياب وحسر عن الرؤوس وفي الطواف بالبيت واستلام أركانه وفي موقف عرفات ومزدلفة ومنى في ذل وخضوع وتضرع وخشوع، وفي رمي الجمار والذبح أو النحر وما إليه في جميع ذلك مظهر العبودية لرب العباد وبارئهم، وإفراد له بالعبادة وحده دون سواه، تلك العبودية هي سر علة الوجود وهدفه الأسمى. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)﴾ [الذاريات: ٥٦ - ٥٨].
وقال ﷺ: "لَبَّيْكَ بِحِجّةٍ تَعَبدًا ورِقًَّا". ثم إن الرحلة إلى بيت الله الحرام وبقية المشاعر تعطي صورة رمزية لعالم آخر وحياة أخرى، والغرض من إعطاء هذه الصورة هو دوام التذكر أبدًا والبعد عن الغفلة وعدم الركون إلى الدنيا، وأخذ العبرة للاستعداد والتشمير عن ساعد الجد للتزود من الأعمال الصالحة، وادخارها لحياة باقية سعيدة وعيش رغيد لا يفنى ولا يبيد طول الأمد.
فالحاج إذ يسلك في طريقه إلى الحج المفاوز ويجتاز المخاوف والصعاب لا يكون له ما يسليه ويروِّح عنه ويربط جأشه في رحلته، حتى يبلغ
1 / 30