الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
المطلب الأول
مواقف النبي ﷺ قبل الهجرة
المسلك الأول: مواقفه ﷺ في مرحلة الدعوة السرية:
من المعلوم أن مكة كانت مركز دين العرب، وكان بها سدنة الكعبة، والقوَّام على الأوثان والأصنام المقدسة عند سائر العرب، فالوصول إلى المقصود من الإصلاح فيها يزداد عُسرًا وشدة عما لو كان بعيدًا عنها، فالأمر يحتاج إلى عزيمة قوية لا تزلزلها المصائب والكوارث، ويحتاج إلى موقف حكيم يحل الوضع الراهن، وتنجح الدعوة من خلاله، ولا شك أن الفضل والمنة لأحكم الحاكمين الذي ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] (١) فإنه سبحانه قد أعطى محمدًا ﷺ الحكمة ووفقه، وسددَّه، وأعانه.
ولهذا بدأ ﷺ بالدعوة السرية بعد أن أمره ربه- ﵎ بإنذار قومه عاقبة ما هم فيه من الشرك، وما هم عليه من الكفر والفساد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ - وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ - وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: ١ - ٧] (٢).
ومن هنا بدأ رسول الله ﷺ يسلك طريق الحكمة في حل الحالة الراهنة في قريش، فوقف المواقف العظيمة التي يعجز عنها عظماء الرجال بل البشر جميعًا.
بدأ ﷺ يعرض دعوته على ألصق الناس به، وأهل بيته، وأصدقائه، ومن توسم فيهم خيرَا ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الخير والحق، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأحاول من هؤلاء جمع عُرِفُوا في
(١) سورة البقرة الآية ٢٦٩. (٢) سورة المدثر الآيات ١ - ٧.
1 / 138