الإحكام في أصول الأحكام
الناشر
المكتب الإسلامي
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هـ
مكان النشر
(دمشق - بيروت)
تصانيف
أصول الفقه
عِنْدَ الْمُشَاقَّةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَفْسَدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ (١) أَوْ لَا لِمَفْسَدَةٍ.
لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي: فَإِنَّ مَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا تَوَعُّدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْمَفْسَدَةُ فِي اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ أَوْ لَا مِنْ جِهَةِ مُشَاقَّتِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَذِكْرُ الْمُشَاقَّةِ كَافٍ فِي التَّوَعُّدِ كَمَا قِيلَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى قَوْلِهِ: " ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ "، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَزِمَ التَّوَعُّدُ لِتَحَقُّقِ الْمَفْسَدَةِ سَوَاءٌ وُجِدَتِ الْمُشَاقَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ (٢) .
قَوْلُهُمْ إِنَّ (غَيْرَ) مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى إِلَّا أَوْ بِمَعْنَى الصِّفَةِ، قُلْنَا: لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ (غَيْرُ) هَاهُنَا صِفَةً ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ مُتَابِعَةِ سَبِيلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّةَ إِذَا أَجْمَعَتْ عَلَى إِبَاحَةِ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَقُولَ بِحَظْرِهِ أَوْ وُجُوبِهِ، وَالْمُخَالِفُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَحْرِيمَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَذَلِكَ يَعُمُّ تَحْرِيمَ كُلِّ سَبِيلٍ هُوَ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُ سَبِيلُ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ حَالَةً، وَتَمَسَّكَ بِهَا وَكَانَ مَعْرُوفًا بِهَا يُقَالُ إِنَّهَا سَبِيلُهُ، سَوَاءٌ تَعَدَّدَتِ الْأَحْوَالُ أَوِ اتَّحَدَتْ.
(١) الصَّوَابُ: مُتَعَقِلَةٌ
(٢) هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ ﵊، وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ تَلَازُمًا، كَالتَّلَازُمِ بَيْنَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِهِ، فَكُلُّ مَا كَانَ مُشَاقَّةً لِلرَّسُولِ، فَهُوَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَا الْعَكْسُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ لِرَسُولِهِ، وَكُلَّ طَاعَةٍ لِلَّهِ أَوْ لِقَضَائِهِ طَاعَةٌ لِرَسُولِهِ وَلِقَضَائِهِ، كَذَا الْعَكْسُ. قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النِّسَاءِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الْأَحْزَابِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الْآيَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدَ عَصَا اللَّهَ. . إِلَخْ. فَلَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ وَلَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ.
1 / 205