[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هل يمكن معرفة انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
الْمُتَّفِقُونَ عَلَى تَصَوُّرِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ اخْتَلَفُوا فِي إِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَأَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا وَنَفَاهُ الْأَقَلُّونَ، وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَلِهَذَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنِ ادَّعَى وُجُودَ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ كَاذِبٌ (١) اعْتِمَادًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اعْتِقَادِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَمَاعِ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ مَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ مُتَعَذِّرٌ عَادَةً.
وَبِتَقْدِيرِ الْمَعْرِفَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَعْرِفَةُ مُعْتَقَدِهِ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْوُصُولِ إِلَيْهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَهُوَ أَيْضًا مُتَعَذِّرٌ (٢) .
وَبِتَقْدِيرِ الِاجْتِمَاعِ بِهِ وَسَمَاعِ قَوْلِهِ وَرُؤْيَةِ فِعْلِهِ أَوْ تَرَكِهِ قَدْ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْيَقِينَ بِأَنَّهُ مُعْتَقَدُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارُهُ وَمَا يُشَاهِدُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ عَلَى خِلَافِ مُعْتَقَدِهِ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ (٣) .
وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِمُعْتَقَدِهِ، فَلَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَنْهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَاقِينَ وَحُصُولِ الْعِلْمِ بِمُعْتَقَدِهِمْ (٤)، وَمَعَ الِاخْتِلَافِ فَلَا إِجْمَاعَ.
وَطَرِيقُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَالَ: جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بَاطِلٌ بِالْوَاقِعِ، وَدَلِيلُ الْوُقُوعِ مَا عَلِمْنَاهُ عِلْمًا لَا مِرَاءَ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَ جَمِيعِ الشَّافِعِيَّةِ امْتِنَاعُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَبُطْلَانُ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَأَنَّ مَذْهَبَ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ نَقِيضُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّشْكِيكَاتِ وَالْوُقُوعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ دَلِيلُ الْجَوَازِ الْعَادِي وَزِيَادَةٌ.